كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
وتركت القوم حتى سكنت فورتهم، وهدأت ثائرتهم، ئم قلت لهم: على
رِسلكم يا قوم، ارْبَعُوا على أنفسكم، ولا تغضبوا ولا تفزعوا، وتعالوا إلى كلمة
سواء: أليس الطالب هو أساس العمل الجامعي كله؟ أليس هو قطب الزَحى وعمود
الصورة؟ فلماذا نحقر شأنه وإنما نحن أساتذة به؟ ونحن حين نعلمه ونخرجه إنما
نتعلم العلم معه مرة أخرى، ولولاه لصدئت عقولنا وتقصفت أقلامنا، والطالب النابه
- ولا زال موجوداً بجامعاتنا ومعاهدنا والحمد دلّه - يستخرج من أستاذه علماً خبيئاً
حين يدارسه ويفاتشه، وقد يفتح عليه أبواباً من النظر والعلم كانت موصدة دونه لولا
مذاكرة ذلك الطالب ومدارسته.
وفي موروثنا الثقافي كان التلميذ النابه يسمى صاحباً لشيخه: فأبو يوسف
ومحمدبن الحسن الشيباني صاحبا ابي حنيفة، والربيع بن سليمان صاحب
الشافعي، وهو ناسخ كتابه العظيم "الرسالة "، وكان الشافعي يقول له: " انت راوية
كتبي "، وابن جني صاحب أبي علي الفارسي، بل قد تتوثق العلاقة وتشتد الَاصرة
فيصير التلميذ غلاماً لشيخه، كما ترى في ابي عمر الزاهد غلام ثعلب، فالتلاميذ
أصحابٌ لشيوخهم، وتأمل عبارة الشافعي في الليث بن سعد رضي الله عنهما:
"الليث افقه من مالك إلا أن اصحابه لم يقوموا به ".
فينبغي أن ينظر إلى الطالب على انه صاحب ومشارك؟ لأن العالم لا يكون
عالماً إلا بمتعلم، وينبغي أيضاً أن نحتشد لهذا الطالب احتشاداً، وان نحبّر له الكلام
تحبيراً؟ تأليفاً ومحاضرات، وقد ادركنا جيلاً من الأساتذة والأشياخ - في مراحل
تعليمنا كلها - كانوا يلقوننا بكثير من الجد والِإسماحٍ، ومنهم من كان يدور بعينيه
علينا واحداً واحداً، في أثناء المحاضرة، يعطي كلأ منا حظه من العناية والنظر،
وكأنه يلتمس أمارات الرضا عما يقول، ومواقع القَبول لما يلقي، بل إن منهم من كان
يصرح فيقول: إيه رأيكم يا ولاد؟ كلام حلو؟ عليه نور؟ وكان أستاذنا عباس حسن
رحمه اللّه إذا خاطب أحدنا في المحاضرة قال: "يا حضرة الأستاذ"، مع انه كان
صاحب كِبْر وبَاوٍ، مع كثير من زملائه، كما كنا نرى - ولا تحتجنَّ علينا بقلة عدد
311