كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
شهادة تزكية إلى جانب تقرير اللجان العلمية التي يقول عنها بعض الناس ما يقولون،
وربك يعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون.
وهذا الذي قرأته أيها القارىء الكريم إنما هو مقدمة ومدخل لأمرٍ جلل وشاًن
عظيم، وهو الكتاب الجامعي: منهجاً وإخراجا. إن الكتاب الجامعي هو حامل العلم
إلى الطالب، وهو الصورة الماثلة الثابتة للأستاذ أمام الطالب، فإما ان يحرص على
هذه الصورة، يستصحبها معه ويتمثلها في مستقبل أيامه، وإما أن يستهين بها،
ويتخلص منها ساعة فراغه من حاجته إليها.
إن الأصل في الكتاب الجامعي أنه يقدم علماً قائماً على منهج، وهذا المنهج
وضعه بعناية أساتذة كبار منذ اليوم الأول لقيام الجامعات والمعاهد العليا، وفي
داخل هذا المنهج مفردات ومفررات تغطي على مدار سنوات الطلب أصول كل علم،
وهذه المفردات والمقررات وضعها هؤلاء الكبار أيضاً. وقد طرأت على هذه
المناهج بعض التغييرات والِإضافات نتيجة لتقدم بعض فروع العلم، باستحداث مواد
لم تكن موجودة، أو تطوير بعض ما هو قائم، لكن هذه التغييرات أو الِإضافات لم
تمس إصول ذلك المنهج القائم على تزويد الطالب بأصول العلم وجوهر المعرفة،
ويظل الأستاذ الجامعي مهما علا شأنه وارتفع قدره مشدوداً إلى هذا المنهج، ملتزماً
بمفرداته ومفرراته، دائراَ في مراجعه ومصادره، فإذا حاد عنه رد إليه رداً جميلاَ
او غير جميل، من رئيس قسمه أو عميد كليته.
هكذا كانت الأمور، وهكذا مضت، وفي ذلك الطريق تخرجت أجيال من
الجامعيين مؤسسة على العلم الصحيج. ويداول الله الأيام بين الناس، فتحدث امور
تفضي إلى أمور، ويترخص الناس فيما لا يترخص فيه، وتقل المرجعية في العلم،
ويتصرف بعض المعلمين من عند أنفسهم استبدادأ واستقلالاَ، فتضيع المعالم،
ويختلط المرعي بالهمل، وتتداخل النوايا والمقاصد "وبعض السجايا ينتسبن إلى
بعض " على ما قال ابن الرومي.
وكان ما كان مما لست أذكره، وإذا نحن بين يوم وليلة أمام بعض الكتب
313