كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

الخادعة: التحليل - الموازنة - النقد، ثم قَمَش علماَ من هنا وسلخ علماَ من هناك،
واختار عنواناَ أخاذاَ بزَاقاَ. اقول: معنى هذا أن ذلك العمل يفوق اعمال هذا الأستاذ
الكبير، الذي قدم أعمالاَ ضخمة في تاريخ الأدب العربي وعصوره، افنى فيها
عمره، واطاب بها ذكره.
إن مصطلج "التحليل" وما اثير حوله من صخب وطنطنة قد عطل علماَ كثيراَ،
ودفع إلى كثير من التهويل والتضخيم، وغمط فضلاَ كثيراَ، ولقد ذكرني هذا الحديث
بكتابين عظيمين التقيت بهما في اوائل الستينات، إذ كنت طالباَ بكلية دار العلوم،
أولهما كتاب " أسس النقد الأدبي عند العرب " للدكتور أحمد احمد بدوي رحمه اللّه،
وثانيهما: كتاب "البيان العربي " للدكتور بدوي احمد طبانة، أطال اللّه في عمره.
وهذان الكتابان مشحونان بالتعريفات والنصوع!، لأعلام النفد والبلاغة
كالجاحظ، وابن قتيبة، وأبي هلال العسكري، والَامدي، والقاضي علي بن
عبد العزيز الجرجاني، والشيخ عبد القاهر الجرجاني، وابن سنان الخفاجي، وابن
طباطبا العلوي، وضياء الدين بن الأثير، وأذكر أننا كنا شديدي الضيق بهذين
الكتابين، وكنا نشكو منهما كل الشكوى، ولعل مما أغرانا بالضيق والشكوى من هذا
اللون من التأليف: ظهور جيل جديد من صغار النقاد، بداوا يثرئرون من خلال
المقاهي الأدبية التي كانت في تلك الأيام، مثل مقهى الِإنديانا بميدان الدفي، ومقهى
ريش بشارع طلعت حرب، وكنا صغاراَ قليلي الخبرة، ولم يتج لنا أن نعيش أيام
" رسالة الزيات " و"ثقافة أحمد أمين "، فكان يسهل خداعنا بمثل هاتيك
المصطلحات: الوحدة الموضوعية، والمعاناة والتجربة الشعورية، وتراسل الحواس،
والمونولوج الداخلي، والدفقة الشعورية، والتعبير بالصورة، والألفاظ الموحية،
والشعر المهموس، وكانت هذه الكلمات الضخمة تهزنا هزاَ، فإذا رحنا نلتمسها في
كلام الجاحظ وابن قتيبة والامدي لم نجدها، فيشتد ضيقنا بكتابي الدكتورين
الفاضلين، ونذم زماننا، ونلعن حظوظنا، ونود لو ضرب بيننا وبين أمثال هذه الكتب
بسور ليس له باب.
317

الصفحة 317