كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

ولفد بلغت السفاهة ببعضنا ان ذهب إلى ناقد ناشىء في تلك الأيام وحرضه
على كتاب الدكتور أحمد بدوي، ثم استكتبه مقالة طائشة بجريدة الجمهورية، تطاولى
فيها تطاولاً فارغاً على الكتاب، فكانت كما قالت العرب في أمثالها: "أوسعتهم سبأ
وأوْدَوا بالِإبل"، وهو مثل يضرب لمن لم يكن عنده إلا الكلام. والَان وبعد مضي
هذا الزمان استغفر الله مما كان مني من طيش وزلل في حق ذلك الكتاب، فقد كنت
أيضاً من الساخرين العابثين، وإنما هي غفلة الصبا وغرارة الشباب، ولا أملك الَان
إلا أن انشد قولى الشاعر:
رُبَّ يوم بكيتُ منه مراراً ثم لما مضى بكيت عليه
وقولى الَاخر:
فليت أن زمانأ مَرَّ دام لنا وليت أن زماناً دام لم يَدُمِ
وقولى الثالث:
عتَبْتُ على سَلْمٍ فلما فقدتُه وجَرَّبْتُ أقواماً بكيت على سَلْمِ
رجعتُ إليه بعد تجريبِ غيره فكان كبُرءٍ بعد طولىٍ من السُّقْمِ
وأعتقد أن كتاب الدكتور أحمد بدوي قد خرجت منه رسائل جامعية كثيرة،
وكذلك كتاب الدكتور بدوي طبانة، فكانا أيضاً كما قالت العرب في أمثالها: "أكلأ
وذماً".
ومرة اخرى: لا بد من إعادة النظر في هذا المصطلح "الكتاب المدرسي"
وإعادة التوقير له والهيبة. إنَ متون النحو الاولى مثل الموجز لابن السراج،
والِإيضاح لأبي علي الفارسي، واللمع لابن جني، وإعراب ثلاثين سورة لابن
خالويه، والفصولى الخمسون لابن معطي، والاجرومية، وقطر الندى لابن هشام،
كلها تاَليف صغيرة عملت للمبتدئين في دراسة النحو، فهي كتب مدرسية، ولكنها
علامات بارزة في طريق العلم، ونازعة بالثقة في أصحابها واحترامهم وإنزالهم
المنزلة العالية. ولم يقتعد ابن جني هذه الذروة الضخمة بكتابه الفذ "الخصائص"
318

الصفحة 318