كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
وحده، بل كان إلى جانبه كتبه الصغار المدرسية، مثل "اللمع " الذي ذكرته، والكتاب
" الملوكي في التصريف ".
ومن جناية هذا الوصف " الكتاب المدرسي " ان ذلك الكتاب القائم على أصول
العلم وحدها دون إغراق في التحليل والتفلسف يرفض من أبحاث الترقيات ويستبعد
من الجوائز الأدبية؟ لأنه كتاب مدرسي عمل للطلبة ليس غير، وهذا خلف من
القول، وخطأ في الحكم. والكتاب المدرسي عمل من الأعمال العلمية: جيدهُ جيد،
ورديئه رديء، فلا يصج أن يُستبعد جيده من أبحاث الترقيات، بل إني أتوق إلى اليوم
الذي أرى فيه ترقية علمية يقصد بها الطالب قصداً، فإن بعض أبحاث الترقيات تدور
غالباً في فلك بعيد عن الطالب، بل إن منها لما يشقق فيخرج منه كلام مفصل تفصيلاً
على أعضاء لجان الترقيات، من حيث السير في طريقهم، والاستكثار من الرجوع إلى
مؤلفاتهم بحق وبغير حق.
إن هذه النظرة المستخفة إلى الكتاب المدرسي قد دفعت كثيراً من الأساتذة
المجيدين إلى شيء من الملل، فلم يعطوا الكتاب الجامعي حظه من الِإجادة
والِإتقان، وكأن هذا الذي يقدم للطالب حُسْوة الطائر أو قَبْسة العَجْلان، لا تروي
غليلاً ولا تضيء ظلاماً، ولا تنضج طعاماً، فجاء الكتاب الجامعي الان - او قل
الكثير منه - في صورة مهلهلة: طباعة سيئة وورق رديء، فضلاً عن المادة العلمية
الخفيفة، وتنظر إلى هذه الكتب الجامعية والمذكرات على ابواب لجان الامتحانات
وقد القاها الطلبة إلقاء على الأرض بعد أن نظروا فيها النظرة الأخيرة، فتراها وقد
تحولت إلى شيء مكور مستدير كالذي يتقاذفه الأطفال بأرجلهم شبيهاً بالكرة التي
يسمونها "الكرة الشراب ". وابكِ ما شاء اللّه لك ان تبكي على هذا العلم الملقى على
الأرض، على ما قالط الشاعر:
ويُفَث المِسْكُ في التُّر بِ فيُوطا ويُداسُ
إن أزمتنا الحقيقية أن الملل يسيطر على حياتنا الجامعية كلها، وإن أضعف
جوانب الاستاذ الجامعي الان هو ما يظهر للطالب في أثناء المحاضرة ومن خلال
319