كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

مجلى فن هؤلاء الخطاطين الذين أجادوا في كتابته غاية الِإجادة، ما بين كتابته كاملاً،
أو كتابة بعض آياته، حتى قيل بحق: " إن القرآن الكريم نزل بمكة، وقرىء في مصر،
وكتب في استانبول ".
وهذا الِإبداع في فن الخط العربي ليس في المسطور بين دفتي كتاب فقط،
فأنت تراه أيضاَ يزين جدران وقباب المساجد كلها صغارها وكبارها، بأقلام الخط
الستة المعروفة، وإن كان أكثر ما رأيته في المساجد: الثلث والفارسي، ومن
المألوف في أكثر المساجد أن تجد مكتوباً: اللّه جل جلاله - محمد صلى الله عليه وسلم - الصحابة
الأربعة الراشدين، ثم الحسن والحسين، وأحياناً الصحابة الستة الذين تتم بهم العشرة
المبشرون بالجنة.
ومن أنفس وأبدع المجموعات الخطية ما رأيته في مسجد السليمانية باستانبول،
والمسجد الكبير بمدينة بورسة، وهو المسمى "أولوجامع"، فالخطوط في هذين
المسجدين من وراء الوصف، فهي من الأشياء التي تحيط بها المعرفة ولا تدركها الصفة.
ولست أدري كيف كتب ذلك الخطاط التركي العظيم تلك القافات الثلث في مدخل جامع
بورسة، فقد كتب بها سورة العلق: " قافات كبيرة جداً على شكل دائرة ثم وصل بينها ببقية
الآيات بالحرف الصغير، وكذلك صنع بالسينات التي تنتهي بها سورة الناس ".
لفظ الجلالة
على أن أبدع وأجمل ما رأيته في كتابة لفظ الجلالة "اللّه " و"محمد" صلى الله عليه وسلم، ما
رأيته في صدر كنيسة آيا صوفيا التي حولها السلطان محمد الفاتح إلى مسجد، وقد
تحول هذا المسجد الآن إلى متحف، وقد راعني ما رأيت: قباب عالية تملؤها
خطوط تخطف البصر بجمالها، وعلى جانبي الكنيسة آثار إسلامية، مستحدثة على
هذا البناء الكنسي العتيق، وفي مكان الهيكل وبعيداً عنه شيئاً ما أقيم المحراب،
وعلى يمينه نهض منبر فخم، ومن وراء المحراب بقيت صورة السيدة مريم عليها
السلام في صدر الهيكل. ومما يلفت النظر في هذه الكنيسة أن الآثار المسيحية لم
تمح فبقيت كما هي، ثم استحدثت أبنية إسلامية كبعض الِإيوانات ومصلى النساء.

332

الصفحة 332