كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
قلبي يخشع وكياني يهتز، ودموعي تجري حين أقرأ - وانا في الروضة الشريفة-
تلك الآيات التي تخاطب الرسول! يم وتناديه، فأقرأ وأتمثل وأستحضر وأنا بفرب
النور وفي كرم الجوار، فأي جلال واي جمال!
وما دخلت المسجد النبوي مرة إلا وقرأت سورة النساء، لأستحضر تلك
الصورة الغالية الخاشعة لرسول الله عقَي! وابن مسعود يفرأ عليه سورة النساء وذلك ما
رواه البخاري عنه قال: قال لي النبيّ! لمجم: ((اقرا علي "، قلت: يا رسول اللّه، أ أقرأ
عليك وعليك أنزل؟ قال: "نعم"، فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الَاية:
" فَكفَ إِذَا ضنَا مِن ص أُمًغ لشَاليد وَجئنَا يكَ عَكَ فَؤُلا شَيي! ا اص اَ) "،-ال: "! ك
الآن ". فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان. صحيح البخاري (باب قول المقرىء للقارىء
حسبك من كتاب فضائل القرآن) 6/ 41 2.
وهكذا تكون معرفة التفسير وأسباب النزول معينة على فهم القرآن وتدبر 5، فإذا
انضم إلى ذلك معرفة غريبه ووجوه قراءاته ونحوه وإعرابه ومعانيه، كان ذلك أعون
على معرفة أسراره والوقوف على دقائقه، ثم التلذذ بتلاوته، واستصغار لذائذ الدنيا
كلها بجوار اَية واحدة من آياته يتلوها المؤمن مستجمعاَ لها فكر 5 مخلّيأ لها قلبه،
ولذلك يقول أحمد بن ابي الحوارى الصوفي المتوفى سنة 230: "إني لأقرأ القرآن
فأنظر في آية فيحار عقلي فيها، واعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم
ان يشتغلوا بشيء من الدنيا وهم يتلون كلام الرحمن؟ اما لو فهموا ما يتلون وعرفوا
حقه، وتلذذوا به، واستحلوا المناجاة به، لذهب عنهم النوم، فرحا بما رزقوا
ووفقوا". طبقات الصوفية للسلمي ص 02 1.
والقرآن مؤنس لتاليه، مزيل لوحشته، يقول الراغب الأصفهاني في مقدمة كتابه
" حل متشابهات القرآن ": " فاتفقت خلوة سطوت على وحشتها بالقرآن، ولولا إنه لم
يكن لي بها يدان. . وكانت هذه الخلوة خلوة عين لا خلوة قلب، واضطرار لا عن
اختيار، بل لقهر وغلب ". والظاهر أن المراد بهذه الخلوة السجن. مقدمة تحقيق
كتاب المفردات في ألفاظ القرآن ص 29.
337