كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
والمسلم حين يتلو القرآن ليس لسانا يضطرب في جوبة الحنك فقط، ولكنه
لسان يتلو، وقلب يخشع، ونفس تموج، وعزم ينهض، ولعمر بن الخطاب رضي الله
عنه كلام نفيس، في أن المسلم مطالب بأن يجمع القرآن ويحفظه ويحيط به ويجعله
إمامه في جوارحه كلها، وفي عمله كله، وذلك ما أخرجه ابن جرير الطبري عن
الحسن " ان ناسأ لقوا عبد الله بن عمرو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب اللّه، أمر
أن يعمل بها، لا يعمل بها، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك. فقدم وقدموا
معه، فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا، قال: أبإذن
قدمت؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه، فقال: يا امير المؤمنين، إنَّ ناساً لقوني بمصر
فقالوا: إنا نرى أشياء من كتاب الله تبارك وتعالى، أمر ان يعمل بها لا يعمل بها؟
فأحبوا أن يلقوك في ذلك. فقال: اجمعهم لي، قال: فجمعتهم له. . . فأخذ أدناهم
رجلأ، فقال: أنشدك باللّه وبحق الِإسلام عليك، أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم، قال:
فهل أحصيته في نفسك؟ قال: النهُمَّ لا، -قال: ولو قال "نعم" لخصمه -، قال:
فهل أحصيته في بصرك؟ هل أحصيته في لفظك؟ هل احصيته في أثرك؟ قال: ثم
تتبعهم حتى أتى على آخرهم، فقال: ثكلت عمر أمه! أتكلفونه أن يقيم الناس على
كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات. قال: وتلا: " إِن تختَنِبُوا! بَآلرَ مَا
نُنْهَؤنَ عَنهُ نُكَفِزعَنكُخ صسئالِيهُخ وَنُدْضِقىُ مُذخَلَاكَرِيما 6بما" 1 النساء) - هل علم
اهل المدينة - أو قال: هل علم أحد- بما قدمتم؟ قالوا: لا، قال: لو علموا
لوعظت بكم) تفسير الطبري: 8/ 254، 255.
قال شيخنا أبو فهر محمود محمد شاكر: "وقوله: "لوعظت بكم"، اي:
لأنزلت بكم من العقوبة ما يكون عظة لغيركم من الناس، وذلك انهم جاءوا في شكاة
عاملهم على مصر، وتشددوا ولم ييسروا، وأرادوا ان يسير في الناس بما لا يطيقون
هم في أنفسهم من الِإحاطة بكل أعمال الِإسلام، وما أمرهم الله به، وذلك من الفتن
الكبيره، ولم يريدوا ظاهر الِإسلام وأحكامه، وإنما أرادوا بعض ما أدب الله به خلقه،
وعمر اجل من ان يتهاون في أحكام الِإسلام. إنما قلت هذا وشرحته مخافة أن يحتج
338