كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

في تهجد قيام الليل، مع المحافظة على النوافل الراتبة، والضحى، وتحية المسجد،
مع الأذكار المأثورة الثابتة والقولى عند النوم واليقظة، ودبر المكتوبة والسحر، مع
النظر في العلم النافع، والاشتغالى به مخلصاً دلّه، مع الأمر بالمعروف، وإرشاد
الجاهل وتفهيمه، وزجر الفاسق، ونحو ذلك، مع أداء الفرائض في جماعة بخشوع
وطمأنينة وانكسار وإيمان، مع أداء الواجب، واجتناب الكبائر، وكثرة الدعاء
والاستغفار والصدقة وصلة الرحم، والتواضع، والِإخلاص في جميع ذلك: لشغل
عظيم جسيم، ولمقام أصحاب اليمين واولياء الله المتقين، فإن سائر ذلك مطلوب،
فمتى تشاغل العابد بختمه في كل يوم، فقد خالف الحنيفية السمحة، ولم ينهض
بأكثر ما ذكرناه، ولا تدبر ما يتلوه.
هذا السيد العابد الصاحب - يعني عبد اللّه بن عمرو بن العاص - كان يقولى
لما شاخ: ليتني قبلت رخصة رسول الله! يم، وكذلك قالى له عليه السلام في الصوم،
وما زال يناقصه حتى قالى له: "صم يوماً وأفطر يوماً، صم صوم أخي داود عليه
السلام "، وثبت أنه قال: " أفضل الصيام صيام داود"، ونهى عليه السلام عن صيام
الدهر، وأمر عليه السلام بنوم قسط من الليل، وقالى: "لكني أقوم وأنام، وأصوم
وأفطر، وأتزوج النساء وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".
وكل من يزم نفسه - أي يمنع ويكبج - في تعبده وأوراده بالسنة النبوية يندم
ويترهب ويسوء مزاجه، ويفوته خير كثير من متابعة سنة نبيه الرءوف الرحيم
بالمؤمنين، الحريص على نفعهم، وما زال لمجي! معلماً للأمة افضل الأعمال، وآمراً
بهجر التبتل والرهبانية التي لم يبعث بها، فنهى عن سرد الصوم اي تواليه وتتابعه
- ونهى عن الوصالى - في الصوم - وعن قيام أكثر الليل إلا في العشر الأخير - يعني
من رمضان - ونهى عن العزبة - عدم الزواج - للمستطيع ونهى عن ترك اللحم، إلى
غير ذلك من الأوامر والنواهي.
فالعابد بلا معرفة لكثير من ذلك معذور مأجور، والعابد العالم بالَاثارْ
المحمدية المتجاوز لها، مفضولى مغرور، واحب الأعمال إلى اللّه تعالى أدومها وإن
343

الصفحة 343