كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

(1240) سنة في مقدمة ادب الكاتب: "ترجمة تروق بلا معنى، واسم يهول بلا
جسم، فإذا سمع الغُمْر - أي الجاهل - والحدث الغِزُ قوله: الكون والفساد وسَمع
الكيان. . . راعه ما سمع، فظن أن تحت هذه الألقاب كل فائدة وكل لطيفة، فإذا
طالعها لم يحل منها بطائل "، أو كما قال ابو السعادات ابن الشجري: " تهاويل فارغة
من حقيقة " الأمالي 1/ 56، ولا يغرنَّك أيها القارىء المبتدىء اجتماع الكتاب على
هذه الألفاظ، وكثرة استعمالهم لها، فإن الاستعمال ليس بدليل على الحسن، كما
يفول ضياء الدين ابن الأثير في المثل السائر 1/ 1 22.
إن كثيراَ مما يكتب الان لا صلة له بالعربية إلا صورة الحروف والائنية من
الأسماء والأفعال، اما روح العربية وآمادها الرحبة الواسعة فلا تجدها في أسلوب
مما تقرأ، ولا في كلام مما تسمع، إني احس احياناَ ان هؤلاء الذين يكتبون أدباَ عربيّاَ
لم يمروا بالفرآن ولا بالبيان النبوي، ولا بكلام العرب، فإن ثروتهم اللفظية محدودة
جدّاَ، وتصرفهم في وجوه الكلام قصير الخطو، منقطع النفَس، ولذلك تأتي معانيهم
هزيلة خفيفة. لأن ضيق الألفاظ يؤدي إلى ضيق المعاني، كما يفول عبد الفاهر
الجرجاني في دلائل الِإعجاز.
ومن الكلام الحكيم للجاحظ في هذه البابة قوله: "والأصل في ذلك أ ن
الزنادقة أصحاب الفاظ في كتبهم، وأصحاب تهويل، لأنهم حين عدموا المعاني ولم
يكن عندهم فيها طائل، مالوا إلى تكلف ما هو اخصر وأيسر وأوجز كثيرا" الحيوان
3/ 365.
وهؤلاء الذين يزعمون انهم ورثة طه حسين لم يسيروا في طريق بيانه، ولم
يحاكوا حلاوة ادائه، وكان له في ذلك مستراد ومذهب، فانتماؤهم لطه حسين إذن
انتماء كاذب وولاء منقوص.
وأيضاَ هؤلاء الذين يتحدئون عن التنوير ورموز التنوير، لم يمروا بأدب أعلام
هذا التنوير، ولم يسلكوا طرائقهم في معرفة العربية ورعاية قوانينها في حسن الأداء
وجمال العبارة.
353

الصفحة 353