كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
حسن البيان:
ولقد كان من أشنع الخطأ هنا وأغلظه: الخلط بين المحسِّنات اللفظية وتحسين
العبارة، وبينهما فرق لا يخفى، فالمحسّنات اللفظية هي أنماط تعبيرية محصورة في
قواعد محددة بشواهد معينة، أما تحسين العبارة الذي هو البيان، فمجاله واسع
رحب، وهو قائم على أسباب كثيرة، من الغنى اللغوي، واختيار الأبنية الشاعرة
المتجانسة، من الأسماء والأفعال والأدوات، وإحكام بناء الجمل وحسن تنسيقها،
وإشاعة الألفة بينها، وقدرة الكاتب في ذلك كله على أن ينشىء علاقة أنس بين قارئه
وبين ما يكتب، إن الكاتب المبين يجعلنا نحب بعض الكلمات ونعشقها، ترى هذا
في أسلوب الجاحظ وابي حيان التوحيدي (إذا نسي مشاكله النفسية) ومصطفى
صادق الرافعي، ومحمود محمد شاكر.
وحسن البيان لا يمنع من الِإلمام بهذه المحسِّنات اللفطية إذا جرت على قلم
الكاتب في حاق موضعها غير متكفَفة ولا مستكرهة.
على أن هذه المحسِّنات اللفظية ليست سيئة السمعة، على نحو ما يلقيه بعض
اساتذة البلاغة على طلبتهم، وأنها قمائمة على التكلف والتزييف، إن المح! نات
اللفظية باب ضخم من أبواب الجمال في البيان العربي، وما يجيء منها متكلفاً يعاب
ويذم، كما يعاب التكلف في كل شيء ويذم، وكيف تعاب المحسِّنات اللفظية جملة،
وقد جاء منها في كلام ربنا عر وجلّ وكلام نبيه غ! يم وكلام العرب وأشعارها، قدر
صالج، ألم تقرأ قوله تعالى: " وَهُئم يَنْهَؤنَ عَنهُ وَشوْتَ عهُ " 1 الأنعام: 26)، وقوله
تباركت أسماؤ 5: " وَجِئتُرص مِن سَبَإِ لباكَليَقِينٍ فئظ" 1 النمل: 22)، ثم انظر "ا لمجازات
النبوية " للشريف الرضي، وشعر ابي تمام على وجه الخصوص.
إن كثيراً من شواهد التورية والجناس تحدث إمتاعاً للنفس لا مزيد عليه، فضلاً
عما يستخرجه بعضها من أسباب الضحك والبهجة، وكثير من نكاتنا المصرية تجري
على هذا الباب، ولولا الجد الذي نحن فيه لأمتعتك بشيء منها.
359