كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

ودعيت منذ خمس سنوات إلى ندوة عن "مستقبل التعليم في مصر"
اقامها مشكوراً مأجوراً نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة اسيوط، وقدمت بحثاً
عنوانه: " استثمار التراث في تدريس النحو العربي "، قدمت له بمقدمة أدرتها على
شيء من البيان فتج اللّه به عليئ فتحاً، وقد طرب له كثير من الحاضرين، وكان
أكثرهم من الشباب المعيدين والمدرسين المساعدين بكليات الطب والهندسة
والعلوم والتجارة، وأخذ هؤلاء الشباب يلاحقونني فيما بين الجلسات، يطلبون
المشورة والدلالة على كتب العربية التي يقراون فيها مثل هذا الكلام الذي جرى على
لساني.
أما أساتذة العربية الذين حضروا الندوة - ومنهم كبار في السن والدرجة - فقد
سخروا مني سخرية شديدة، أعلنوها ولم يكتموها، وكان بعضهم يناديني هكذا:
تعال يابتاع التراث، قول يابتاع التراث، ازئك يابتاع التراث! الكني أشهد في تلك
الأيام أن الأستاذ الدكتور حامد عمار - وكنت قد اختلفت معه في هذه الندوة - قال
لي ونحن في القطار من اسيوط إلى القاهرة بالحرف الواحد: يا استاذ اثبت على ما
انت عليه، فإني سعيد ان ارى إنساناً يتحدث عن لغته وتراثه بهذه الحماسة)، وهذا
إنصاف من الرجل، وهو شأن الكبار، اما الصغار فما أجرأهم على لغتهم وعلى
تاريخهم، ومهما يكن من أمر فإنه من العار ان يذم الناس مذهبهم، ويهجِّنوا
طريقهم، هل تعرف طبيباً يذم مهنة الطب؟ وهل تجد مهندساً يحتقر حرفة الهندسة؟
قد يشكوان إرهاقاَ أو اعباءً، أما أن يكون ذم ومعابة فلا.
وقد انتقلت سخرية الأساتذة إلى تلاميذهم من معلمي العربية في مدارسنا
الان: سأل مدرس اللغة العربية التلاميذ في الثانوية العامة عن مرادف لعبارة "رغد
العيش " فأجاب ابني "بُلَهْنِية " فضحك المدرس ضحكة عالية وسخر منه قائلاً: " إيه يا
خويه؟ " وحمدت اللّه أن وقف المدرس العابث بالسخرية عند هذا الحد، فإن لهذا
التركيب الذي نطق به ذلك المدرس تكملة سوقية يعرفها أهل السخرية، ولعله قالها
وكتمها ابني عني!
361

الصفحة 361