كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

وأربع وتسعون قافية. وكان الفراغ من هذا التفسير والشرح اليوم السادس عشر من
شهر ربيع الاخر، سنة اثنتين وستين وأربعمائة. وإنما دعاني إلى تصنيف هذا الكتاب
مع خمول الأدب وانقراض زمانه، اجتماع اهل العصر قاطبة على هذا الديوان،
وشغفهم بحفظه وروايته، والوقوف على معانيه، وانقطاعهم عن جميع اشعار
العرب، جاهلئها وإسلامئها، إلى هذا الشعر، واقتصارهم عليه في تمثلهم
ومحاضراتهم وخطبهم ومقاماتهم، وحتى كأن الاشعار كلها فُقدت، وليس ذلك إلا
لتراجع الهمم وخلو الزمان عن الأدب، وتقاصر الرغبات، وقلة العلم بجوهر الكلام
ومعرفة جيده من رديئه، ومطبوعه من متكلفه.
ومع ولوع الناس بهذا الديوان لا ترى أحداً يرجع في معرفته إلى محصول،
أو يفي ببيان عن مودعاته وغوامض معانيه ومشكلاته، وإنما المَفْزَع فيه إلى فَسْر] أي
تفسير، أبي الفتح ابن جني، وهو في ذلك كفول من قال:
أصبحت ترجو الغوث من قِبَلي والمُستغاث إليه في شُغُل
وأنه اقتصر في كتبه على تفسير الألفاظ، واشتغل بإيراد الشواهد الكثيرة والنحو
والغريب، حتى اشتمل كتابه على عُظم نوادر أبي زيد، وجميع أبيات سيبويه وأكثر
مسائله، وزهاء عشرين ألفاَ من الأبيات الغريبة، وحشاه بحكايات باردة، وأخبار من
العرب غريبة نادرة، لا يحتاج في فَسْر هذا الديوان إلى شيء منها. واللّه تعالى ذكره
يتغمدنا وإياه بسعة رحمته، وجميل عفوه، إنه الغفور".
فهذ 5 الخاتمة التي انفردت بها تلك المخطوطة افادتنا عدة فوائد:
(أ) تاريخ فراغ الواحدي من شرحه، وأن ذلك كان قبل وفاته بست سنوات،
فيكون قد ألفه وهو في تمام نضجه العلمي.
(ب) ذكره لدواعي تأليفه.
(ج) ما يفهمه الناقد البصير من خبىء هذا الكلام، وكشفه عن راي الواحدي
389

الصفحة 389