كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)
والغاية الثانية: ان بعض مطبوعاتنا نشرت عن أصول مجهولة، وقد كان هذا
في مراحل الطبع الأولى، قبل أن يستقر علم تحقيق المخطوطات، وقد يسأل سائل:
كيف كانت هذه الأصول المخطوطة مجهولة؟ والجواب: أن ناشري الكتب في تلك
المراحل الأولى من الطباعة لم يكونوا يُعنون بذكر وصف المخطوط الذي ينشرون
عنه، بل إنَّ بعضهم كان يتخفَص من المخطوط نفسه بعد الفراغ من طبعه، فإن العمال
أحياناَ كانوا يجمعون من المخطوط نفسه، ولقد رأيت مرة عند بعض باعة الكتب
القديمة أوراقاَ من كتاب مخطوط، ورأيت آثار يد وأحبار على هذه الأوراق في غير
مكان منها، فتعجبت من ذلك، ولكن عجبي زال حين اخبرني ذلك الوراق أن هذه
آثار يد الجمّيع - يعني عامل المطبعة - الذي كان يجمع من المخطوطة مباشرة.
وأيضاً: فإن بعض أصول علمنا - على شهرتها - طبعت عن أصول ناقصة،
ومن ذلك معجم الشعراء للمرزباني، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي ومعجم الأدباء
لياقوت الحموي.
ومن وراء ما ذكرته من نقص المطبوعات وجهالة أصلها، فإن هناك أمراً في
غاية الأهمية، وهو أن بعض كتبنا المطبوعة قد ظهرت لها مخطوطات نفيسة توجب
إعادة تحقيقها ونشرها، والأمثلة من ذلك بالغة الكثرة، اكتفي منها ببعض ما رايته
بعيني في رحلاتي وأسفاري، ومن ذلك: الكتاب لسيبويه، والصَّحاح للجوهري،
والعمدة لابن رشيق، فهذه الكتب الثلاثة مطبوعة اكثر من طبعة، لكني رأيت منها
نسخاَ مخطوطة عالية جداَ: فمن كتاب سيبويه رأيت اقدم مخطوطة منه، ترجع إلى
القرن الرابع، بمكتبة الجامع الكبير بصنعاء، ومن هذه النسخة نفسها قطعة في مكتبة
الِإمبروزيانا بميلانو بإيطاليا، وانتقال بعض المخطوطات من اليمن إلى الِإمبروزيانا
له قصة معروفة عند أهل الشأن والاختصاص.
والصَحاح للجوهري أصل من أصول المعاجم العربية، وعلم الصرف بوجه
خاص، وقد رزق حُظوة في كثرة مخطوطاته ونفاستها مما لم أره لكتاب آخر، ومن
ذلك ما رايته في مكتبات تركيا والمغرب واليمن والسعودية. ونسخة الصَحاح
391