كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
بأنها شائعة في تراثنا العربي؟ وما هو هذا الشيوع، وما هي نسبته أمام التراث العربي
المقطوع بصحته وسلامته؟ وما حقيفة هذه الَالاف من الأبيات التي رويت مصخَفة؟
ألا يسقط هذا الكلام الثقة في تراثنا الشعري والنثري كله؟ ثم بأي وجه وبأي لسان
نلقى أبناءنا وطلابنا في فصول المدارس ومدرَّجات الجامعات، بعد هذا التشكيك
الذي نشر في أكبر صحفنا وأوسعها انتشاراَ.
ولنترك هذا كله، ولنقف عند ابشع شيء وأغلظه، وهو ذلك الكلام: "ومن
اشهر الأدلة على ذلك في تراثنا القراءة المشهورة للآية الكريمة في سورة الحجرات
رقم 6: " جمأَيها اَتَذِينَ ءَامَوا إِن جَاَءَ! فَاسِق بِنَبَ!! نؤأ. . . "، حيث تقرأ "فتثبتوا" كما
قرئت "فتبئنوا))!!! لا يا قوم، توبوا إلى بارئكم، واتقوا ربكم واخشوا يومأ ترجعون
فيه إلى اللّه.
إن إيراد الكلام على هذا النحو وفي ذلك السياق والاستدلال يعطي بصريج
اللفظ أن القراءتين "فتبئنوا) ا - " فتثبتوا" أثر من آثار التصحيف، ثم لنا أن نسأل: من
الذي صحف في هذه الَاية الكريمة؟ أو: من هو المصحِّف الأول الذي تبعه الناس
منذ نزول القرآن الكريم إلى يوم الناس هذا؟ ثم ما هي القراءة الأصل وما هي القراءة
المصخَفة، فإن كل تصحيف له أصل عدل عنه؟ وثم وثم وثم. . .
يا أيها الناس، إن القراءة سنة وائر ورواية واتباع، وليست لغة يلعب بها الناس
مهما بلغ مبلغهم من العلم. روى الأصمعي عن ابي عمرو بن العلاء، قال: " لو تهيأ
لي أن افرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت، لقد حفظت في علم القرآن
أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها، ولولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرىء به
لقرات كذا وكذا، وذكر حروفاَ"، معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار
للحافط الذهبي 1/ 02 1، 03 1.
وابو عمرو ابن العلاء هو احد القراء السبعة، وكان إماما في اللغة والنحو، ثم
كان راوية لذي الرفَة الشاعر المعروف الذي يقال إن شعره ثلث لغة العرب. وقول
أبي عمرو: "ليس لي ان أقرا إلا بما قرىء به"، يريد: اي بما جاءت به الرواية
404