كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

المسندة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فليست القراءة عن راي واجتهاد، ليفرأ كل قارىء بما
يرتاح إليه او بما يمشي مع قواعده، وليس كل ما يجوز في العربية والنحو تجوز به
القراءة، وقد شدد اهل العلم في ذلك، وكان أكثرهم تشديداً ونكيراً أبو إسحاق
الزجاج رحمه اللّه، وكزَره في اكثر من موضع في كتابه (معاني القرآن وإعرابه) فمفَا
قاله في الجزء الثالث ص 288: " والأجود اتباع القزَاء ولزوم الرواية، فإن القراءة
سنة، وكلما كثرت الرواية في الحرف وكثرت به القراءة فهو المتبع، وما جاز في
العربية ولم يقرأ به قارىء فلا تقرأن به، فإن القراءة به بدعة، وكل ما قلَّت فيه الرواية
وضعف عند أهل العربية فهو داخل في الشذوذ، ولا ينبغي أن تقرأ به"، وانظر ايضاً
ص 45 من الجزء الأول من كتاب الزجاج هذا، ففيه كلام عال نفيس عن اتباع السنة
والرواية في قراءة القرآن الكريم.
وقال القرطبي في تفسيره 5/ 4: "والقراءات التي قرأ بها ائمة القراء ثبتت عن
النبيّ ع! تواتراً يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبيّ! ير، فمن ردَ ذلك فقد
ردَ على النبي ع!، واستقبج ما قرأ به، وهذا مقام محذور، ولا يقلد فيه ائمة اللغة
والنحو، فإن العربية تتلقى من النبيّ ع!، ولا يشك احد في فصاحته ".
فإذا ثبت هذا - وهو ثابت إن شاء الله - فإن كلتا القراءتين في آية سورة
الحجرات مروية عن رسول الله غ!، وهما في اصطلاح القراء قراءتان سبعيتان،
بأيهما قرأ القارىء اصاب السنة وأحرز الأجر، وليست إحدى القراءتين مصخَفة عن
الأخرى، تعالى الله وتعالى كلامه عما يقولون علواً كبيراَ.
وقد قرا "فتبئنوا" بالتاء الفوقية والباء الموحدة والياء التحتية والنون: ابن كثير
ونافع وابو عمرو وعاصم وابن عامر، وقرا " فتثبتوا" بالتاء الفوقية والثاء المثلثة والباء
الموحدة والتاء الفوقية: حمزة والكسائي، قال الِإمام الجليل أبو جعفر محمد بن
جرير الطبري: "والقول عندنا في ذلك انهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قَرَأَة
المسلمين بمعنى واحد، وإن اختلفت بهما الألفاظ، لان " المتثبت " متبين،
و "المتبين" متثبت، فبأي القراءتين قرا الفارىء فمصيب صواب القراءة في ذلك"
405

الصفحة 405