كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
الِإنسان في ملبسه على رعاية الذوق العام، وعدم مصادمة العرف الاجتماعي، وإن
لم يصج هذا الفهم والتفسير يكون الكلام ساقطأ لا محالة، لأن إنسانأ مهما جهد
واجتهد لا يستطيع ان يلبس لباساً يرضي كل الناس.
مثل قديم:
وقد ذكر هذا المثل احمد باشا تيمور، في كتابه الأمثال العامية، صفحة 4 0 4،
وقال في تفسير 5: "لأن ما تأكله تابع لشهوة نفسك، وأما ما تلبسه فالمراد به التزين
للناس، فليكن على ما يعجبهم ". وأرى ان احمد تيمور قد قصَّر أيضا في بيان حقيقة
معنى هذا المثل، حين أغفل قضية رعاية الذوق العام، وعدم مصادمة العرف
الاجتماعي، وهما المفصد والغاية من هذا المثل.
فائدة: قد يظن بعض الناس أن هذا المثل الشعبي: "كل ما يعجبك، والبس ما
يعجب الناس " مثل معاصر، أو قريب من المعاصرة، والحقيقة أنه كلام قديم عمره
نحو " 0 140 سنة" فهو من كلام أبي عمرو بن العلاء، إمام العربية، وأحد القراء
السبعة، المتوفى 154 هـ، مع اختلاف في بعض العبارات، فقد روي انه نظر إلى
بعض أصحابه وعليه ثياب مُشَفرة، فقال: "يا بني، كل ما تشتهي والبس ما يشتهي
الناس "، والثياب المُشَهَرة: الفاضحة المفضوحة، وقد نظم هذا المثل بعض الشعراء
القدامى، فقال:
إن العيون رمتك من فجَآتها وعليك من شُهْرِ اللباس لباسُ
اما الطعام فكُل لنفسك ما اشتهت والبَس ثيابك ما اشتها 5 الناس
انظر: المثل والشعر في لطائف الظرفاء، للثعالبي ص 52، وبهجة المجالس
لابن عبد البر 2/ 58، والكشكول، لبهاء الدين العاملي 2/ 4 0 4.
3 لنعد إلى ما فتحه امامنا الأستاذ صلاح عيسى، فأقول: إن حب النفس
مركوز في الطباع، ثابت في أصل الخلفة، فطرة فطر اللّه الناس عليها، يستوي فيها
العربي والعجمي. ولا بأس على الِإنسان أن يستر عيوب نفسه، ما دام ذلك الستر
409