كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
والصدق فضيلة الفضائل، وعنوان الشرف والكمال، به يسمو الِإنسان أمام
نفسه، وعليه يعظم في اعين الناس وإليه يعود صلاح المجتمع، وجاء في الأثر:
"الصادق يعطى ئلاث خصال: المُلْحة والمحبة والمهابة "، والمُلْحة بضم الميم
وسكون اللام: البركة، يفال: كان ربيعنا مملوحاَ فيه: أي مخصباَ مباركاَ، النهاية في
غريب الحديث والأثر لابن الأثير 4/ 354، روي شبيهه عن الزاهد الكبير يوسف بن
أسباط قال: "للصادق ثلاث خصال: الحلاوة والملاحة والمهابة "، سير أعلام
النبلاء، للذهبي 9/ 170.
وبعض الذين يكتبون سيرهم الذاتية يستطردون مع شهوة الحديث عن النفس
إلى ذكر محاسن وماَثر لهم، في مواقف ووقائع، يضخَمونها وينفخون فيها، غير
مدركين ان هناك من الناس من شهد هذه المواقف، وعاش تلك الوقائع، وغير
متنبهين إلى انهم ربما نقضوا كلامهم ذلك في مكان آخر مما كتبوه في سيرهم الذاتية
او في غيرها، فكان واجباَ عليهم أن يتذكروا هذا المثل الحكيم من امثال العرب: " إ ن
كنت كذوباَ فكن ذَكوراَ"، ويروى: "كن ذكوراَ إذا كنت كذوباَ" مجمع الأمثال
للميداني 1/ 74، 2/ 173، وقد نظمه شاعر فقال:
تكذب الكذبة جهلاَ ثم تنساها قريبا
كن ذكوراَ للذي تَحْكي إذا كنت كذوبا
جمهرة الأمثال، لأبي هلال العسكري 2/ 396.
وأعلى مراتب الصدق: الصدق مع النفس، ومظاهر الصدق مع النفس كثيرة،
وجماعها ألاَ يخالف الطاهر الباطن، وألا يصادم السر العلن.
ويقرأ الناس في تراثنا، على اختلات علومه وفنونه، كلاماَ كثيراَ، منظوماً
ومنثوراَ، عن الصدق وفضائله، في نصو ععالية موثقة، لكنها تظل نصوصاَ
مجردة، يصدقها من يصدقها، ويكذبها من يكذبها، وتبقى ممارسات الناس وحدها
شاهداَ ودليلاَ على التزامهم ابواب الصدق، وتحريهم وجوهه ودروبه.
412