كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
الجزئي دون الكلي!
وهذه الممارسات مطروحة في كتب التاريخ: تراجم واحداثاً، وفي كتب
الأدب والأخبار، بل في سائر ما كتبه العرب في علومهم المختلفة، ومن المؤسف أ ن
هذه الممارسات التي تمتلىء بها كتبنا ومعارفنا لا يقف الناس الآن عندها كثيراً بحسن
التأمل والنظر، بل إنها عند بعض الناس الوان من النوادر والمسامرات التي تستخرج
الضحك ليس غير، بل إن بعضهم قد يسرف في "التفلسف" فيرى أنها ممارسات
مصنوعة، في أخبار يراد بها إضحاك الخلفاء والملوك، للحظوة عندهم وأخذ
عطاياهم، وان هذه الممارسات والأخبار إن صدقت فهي لا تخرج عن اهتمام العقل
العربي بالجزئي دون الكلي، وهو كلام قد مللنا من الرد عليه، وهو في جملته
لا يدل إلا على عدم المعرفة بكتبنا وتاريخنا.
ولو أردب ان أكتب لك أيها القارىء الكريم ما وقفت عليه من هذه الممارسات
المطروحة في الأخبار، لاحتجت إلى مجفَدات واسفار، فحسبي أن اجتزىء هنا
ببعضها، لكن لي عليك ايها القارىء العزيز شرط واحد: هو أن تعطي هذه الأخبار
حظها من التأمل والتدبر، وأن تتثبه لذلك الخيط الذي يربط بينها، وسيُفضي بك هذا
الخيط - إن شاء الله - إلى روح هذه الحضارة العربية الفائمة على الصراحة
والوضوح، وشرط آخر: الا تظن اني اريد أن أسليك او أضحكك بهذه النوادر، وإن
كنت أدعو لك أن يضحك الله سنك، ويبسط أساريرك.
وبعض هذه الأخبار مما وعته صدور الرواة من عربية الجاهلية، وكئير منه من
عربية الِإسلام.
وإذا كانت مظاهر صدق النفس كثيرة، وصورها شتى، فإن اولاها بالعناية
وأحقها بالتأمل: ما يتصل منها بالاعتراف بالخطأ والرجوع إلى الصواب، والِإنصاف
في الحكم، ولو كان مما يجر إلى الانتقاص من النفس، وهو ما يسميه الناس الان:
الموضوعية ونقد الذات.
413