كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
المعروف المتوفى 246 هـ: أما كانت لأحد قط عندي منَة إلا تمنيت موته " الأغاني
لأبي الفرج الأصبهاني 137/ 20، ولا تستبشع هذا الفول من ذلك الشاعر، فهو
رجل صادق، يستثفل منن الناس عليه، ويراها قيوداً على لسانه وعقله، وكثير من
الناس يستصحب هذا الشعور، دون أن يصزح به، بل إن بعض الناس يأنف من
السؤال ويطوي نفسه على الحرمان مخافة المنع والخذلان، تقول الصوفية الكبيرة
أم علي امرأة احمد بن خضرويه البلخي المتوفى 240 هـ: "فَوْت الحاجة ايسر من
الذل فيها"، كتاب ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات لأبي عبد الرحمن السلمي
ص 77، وقال شاعر:
لا تحسبن الموت موت البلى وإنما الموت سؤال الرجال
كلاهما موت ولكن ذا أشد من ذاك على كل حال
الحيوان للجاحظ 3/ 131، ودلائل الِإعجاز لعبد القاهر ص 256.
ويبقى ان تلاحظ أيها القارىء الكريم -رجوعاَ إلى الخبر السابق - أ ن
أبا الفرج الأصبهاني ودعبلاَ الخزاعي كلاهما شيعي، ولم تمنع هذه الجامعة بينهما
ابا الفرج من ذكر ذلك الخبر الذي قد يسيء إلى صاحبه على نحو ما. وهذا من باب
الصدق ايضاَ.
الصراحة الكاشفة:
وهذا ابو العباس المبرد المتوفى 285 هوهو احد ائمة العربية، كان معروفاً
بالبخل، وكان هو يطهر ذلك للناس ولا يكتمه، يقول الوزير القفطي: "وكان المبرد
ممسكاَ بخيلاً، يقول: لا وزنت شيئاَ بالدرهم إلا ورجح الدرهم في نفسي، هذا مع
السعة التي كان فيها"، إنباه الرواة على انباه النحاة 3/ 49 2.
وقصة المبرد هذه مع ما يشاكلها تعطيك دلالة أخرى؟ لأن الذي يتحدث عن
نفسه بهذه الصراحة الكاشفة يصدق في كل ما يلقيه عليك بعد ذلك، لأن الشخصية
لا تتجزا، كما يقول الناس في هذه الأيام، ومن هنا تثق في كل ما كتبه أبو العباس
420