كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
المبرد: في كتابه الكامل في الأدب والأخبار، وكتابه المقتضب في النحو، وكتابه في
التعازي والمراثي.
ومع تظاهر كثير من الناس بالزهد في المال وعدم الحرص عليه، نرى الِإمام
الجليل سفيان بن سعيد الثوري المتوفى (161 هـ) وهو إمام الحفاط، وأمير المؤمنين
في الحديث، يفول: " لأن أخلف عشرة آلاف درهم، يحاسبني اللّه عليها أحب إلي
من أن أحتاج إلى الناس "، وروي انه سئل مسألة وهو يشتري شيئاً، فقال: " دعني فإن
قلبي عند درهمي "، وروي عنه انه قال: "كان المال فيما مضى يكره، فأما اليوم فهو
ترس المؤمن "، ونظر إليه رجل، وفي يد 5 دنانير، فقال: يا أبا عبد الله، تمسك هذه
الدنانير؟ قال: اسكت، فلولاها لتَمَنْدَلَ بنا الملوك.
"كأنه يريد: اتخذونا مناديل يمسحون بها وجوههم وأيديهم "، سير أعلام
النبلاء، للذهبي 7/ 241، يقول سفيان الثوري هذا كله، وهو سيد العلماء العاملين
في زمانه، وهو القائل أيضاً: "ما وضع رجل يده في قصعة رجل إلا ذل له ".
وهذا الأحنف بن قيس، العالم الكبير المتوفى (71 هـ) وهو أحد من يُضرب
بحِلمه وسؤدده المثل يقول: "كذبت مرة واحدة، سألني عمر بن الخطاب عن ثوب:
بكم أخذته؟ فأسقطت ثلثي الثمن "، سير اعلام النبلاء للذهبي 4/ 89.
وكان للأحنف هذا ولد، يقال له: بحر، وبه كني، وكان مضعوفاً (أي قليل
العقل خاملاً) فقيل له: لم لا تتأدب بأخلاق ابيك؟ فقال: الكسل "، وفيات الأعيان
لابن خلكان 2/ 6 0 5. وهذا من باب الصدق مع النفس أيضاً.
وهذا رجل يحب الشهرة وبعد الصيت، ولو ركب لهما الصعب، فيروى عن
الحسن بن احمد بن عبد اللّه بن البناء، المقرىء المحدث الحنبلي المتوفى (471 هـ)
انه قال: " هل ذكرني الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد" في الثقات أو مع الكذابين؟
قيل: ما ذكرك اصلاً، فقال: ليته ذكرني ولو مع الكذابين "، سير أعلام النبلاء
للذهبي 18/ 381، والِإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، لشمس الدين السخاوي
ص 33.
421