كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
على أنه ينبغي التنبه الدائم للفزق الدقيق بين صراحة هؤلاء الناس، وصدقهم
في الِإبانة عن أنفسهم، وبين كشف العيوب القادحة، ونشر المساوىء الفاضحة،
التي تدخل في باب العورات، وهو ما نهينا عن الحديث عنه، او تتبعه واستقصائه،
كما ذكرت في صدر هذه الكلمة، وضم إليه ذلك الحديث العظيم الذي اخرجه الِإمام
مالك، وهو حديث من اعترف على نفسه بالزنا، وفي اَخره يقول رسول اللّه ع! يد: " من
! صاب من هذه القاذورات شيئاَ فليستتر بستر الله، فانه من يبد لنا صفحته نفم عليه
الحد" الموطأ (باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا، من كتاب الحدود)
ص 825.
ومن احلى واعذب صور الصدق مع النفس وإرسالها على سجيتها: قصة ذلك
المحدث الجليل إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أبو إسحاق
القرشي الزهري العوفي المدني، المتوفى (183 هـ) كان حافظاَ كبيراَ، وإماماَ ثقة
حجة، يقول الحافظ الذهبي في ترجمته من سير أعلام النبلاء 8/ 272: " وكان ممن
يترخص في الغناء على عادة اهل المدينة، وكأنه ليم في ذلك، فانزعج على
المحدثين، وحلف أنه لا يحدث حتى يغني قبله "، أي قبل التحديث.
وروى الخطيب البغدادي هذا الخبر، برواية أخرى، قال: " وسئل عن الغناء
فأفتى بتحليله، واتاه بعض أصحاب الحديث ليسمع منه أحاديث الزهري، فسمعه
يتغنى، ففال: لفد كنت حريصاً على أن اسمع منك، فأما الَان فلا سمعت منك حديثاً
أبداَ، فقال: إذاَ لا افقد إلا شخصك، عليئ وعليئ - يقصد الحلف بالطلاق - إ ن
حدثت ببغداد ما أقمت حديثاَ حتى أغني قبله. . . وذكر ان هذه القصة بلغت الرشيد،
فاستدعاه، ودعا له بعود فغناه:
يا ام طلحة إن البين قد أفدا قل الثواء لعن كان الرحيل غدا
تاريخ بغداد 84/ 6، وهذا البيت لعمر بن أبي ربيعة، وروايته في ديوانه
ص 1 39: "ألمم بزينب إن البين قد افدا". ومعنى " أفد" دنا وقرب موعده.
422