كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

مطبعة بولاق:
تمثل هذه المطبعة الباب الواسع الذي دخل منه العرب إلى النهضة الحديثة،
كما تمثل في الوقت نفسه البعث الحفيقي لتراث الَاباء والأجداد، وإذا كانت بعض
البلدان قد سبقت مصر في الطباعة العربية، فإن الوجه العربي للطباعة لم يظهر إلا في
مطبعة بولاق بمصر، لقد كان إنشاء هذه المطبعة صيحة مدوية ايقظت الغافلين،
ومركز ضوء هدى الحائرين، وقد تدافعت مطبوعاتها من الكتاب العربي كالسيل
الهادر.
وقد ذكر سركيس في مقدمة معجم المطبوعات أن مجموع ما طبعته مطبعة
بولاق، منذ إنشائها سنة 1821 م وحتى سنة 1878 م بلغ (603890) كتابا، ارايتم
إلى هذا العدد الذي يزيد على نصف المليون في نحو (50) عاماَ، وهي مدة يسيرة
لا تعد شيئاَ في تاريخ الأمم والشعوب، مع ملاحظة ضعف الوسائل الطباعية في تلكم
الأيام.
وفي مجال تقييم أعمال مطبعة بولاق تبرز هذه الحقائق:
اولاَ: كان إنشاء محمد علي مطبعة بولاق متزامناَ مع إرساله البعثات لتلقي
العلم في أوروبا، ولا يستطيع الدارس أن يغفل العلاقة بين هذه البعثات ونشاط
مطبعة بولاق، فقد عاد الدارسون المصريون في أوروبا برغبة عارمة في الِإصلاح
والنهوض، ولم يركنوا إلى الدعة وعجمة اللسان والاكتفاء بمدح الافرنج، والطعن
في امتهم العربية والانتقاص من تاريخها وذم علومها ومعارفها، كما نرى ونسمع
الان.
ثانياَ: يلاحط في السنوات الأولى من نشاط مطبعة بولاق غلبة للكتب
المترجمة في الشؤون الطبية والزراعية والهندسية وتدبير المعاش.
ثالثاَ: إن الذين قاموا على نشر كتب التراث بتلك المطبعة كانوا يستهدفون غاية
ضخمة، هي إبراز كنوز الفكر العربي والِإسلامي، فعمدوا إلى نشر الأمهات
430

الصفحة 430