كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
خرجت بالنحو من دائرة القوالب والنظام والاطراد، إلى العلاقات بين أجزاء الكلام،
وتلك المنادح الواسعة، من التقديم والتأخير، والحذف والتقدير، والِإضمار
والفصل، والاتساع والحمل، والتضمين والجوار، والاستغناء ورعاية الظاهر واعتبار
المحل، ومعاني الحروف والأدوات ووقوع بعضها موقع بعض، وتبادل وظائف
الأبنية، ثم لغة الشعر التي يسمونها الضرائر.
مقتضى المعنى وحق الِإعراب:
وحين انفسحت هذه الافاق أمام النحاة الأوائل فطنوا إلى ما قد يكون من
تعارض بين مقتضى المعنى وحق الِإعراب، الذي هو أبرز شيء في الصنعة النحوية،
فحاولوا الِإبقاء على الصنعة والنظام، مع إعطاء المعاني والدلالات حفها، وكان
أبو الفتح ابن جني أسبق النحاة إلى هذا التوفيق، وقد عالجه في غير موضع من كتبه،
وفي مقدمتها كتابه الفذ "الخصائص"، فعقد في ص 279 من الجزء الأول منه بابا
سفَاه: (باب في الفرق بين تقدير الِإعراب وتفسير المعنى) قال فيه: "الا ترى إلى
فرق ما بين تقدير الِإعراب وتفسير المعنى، فإذا مر بك شيء من هذا عن أصحابنا،
فاحفظ نفسك منه ولا تسترسل إليه، فإن أمكنك أن يكون تقدير الِإعراب على سمت
تفسير المعنى، فهو ما لا غاية وراءه، وإن كان تقدير الِإعراب مخالفاَ لتفسير المعنى،
تقبلت تفسير المعنى على ما هو عليه، وصححت طريق تقدير الِإعراب، حتى لا يشذ
شيء منها عليك، وإياك ان تسترسل فتفسد ما تؤثر إصلاحه ".
وقال في (باب تجاذب المعاني والِإعراب) الخصائص 3/ 255: " هذا موضع
كان أبو علي - الفارسي - رحمه اللّه، يعتاده ويلم كثيراً به، ويبعث على المراجعة
له، وإلطاف النظر فيه، وذلك أنك تجد في كثير من المنثور والمنظوم، الِإعراب
والمعنى متجاذبين، هذا يدعوك إلى امر، وهذا يمنعك منه، فمتى اعتورا كلامأ
امسكت بعروة المعنى، وارتحت لتصحيج الِإعراب ".
ثم كانت القفزة الثانية في ربط معاني الكلام ودلالته بالنحو على يد الشيخ
عبد الفاهر الجرجاني في كتابه العظيم " دلائل الِإعجاز"، وكانت نظريته المعروفة في
441