كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
النظم هي مجلى ذلك الربط، وبتامل هذه النظرية نستطيع أن ندرك أن المنهج العقلي
المحكم الذي سار عليه عبد القاهر "هو الذي قاد 5 إلى اعتماد النحو التقعيدي (نحو
الصنعة) اساساً لِإدراك القيمة الحفيقية للصياغة، وما يمكن أن يتيحه هذا النحو من
إمكانات تركيبية تقترب من الِإنسان ومقاصده الواعية "، كما قال الدكتور محمد
عبد المطلب في كتابه قضايا الحداثة عند عبد القاهر الجرجاني ص 286.
ومما ينبغي التنبه له أن عبد القاهر الجرجاني هذا مع شهرته الواسعة في البلاغة
بكتابيه دلائل الِإعجاز وأسرار البلاغة، يُعرف عند الأقدمين بعبد القاهر النحوي.
فهذا النحو القائم على رعاية التراكيب والدلالات في الكلام العربي ا اصلفوظ
والمكتوب هو النحو الذي ينبغي معرفته وتأمله والاسكتثار منه؟ لأنه بهذا المفهوم
مِلاك العربية وقِوامها، بل إنه كان يعبر عنه أحياناً في القديم بالعربية، حكى ابن جني
عن أبي العباس ثعلب، قال: "وكان يعقوب - يعني ابن السكيت - وضيئاً عظيم
الخَلْق، وكان ذكياً حافظاً عالماً بالشعر واللغة، صالج المعرفة بالعربية، وكان ابن
قادم وغير 5 من أصحابنا يحتاجون إليه في الشعر واللغة، ويحتاج هو إليهم في
العربية "، (الخاطريات ص 198)، وكذلك عبر ابن خلدون عن النحو بعلم العربية.
(انظر: مقدمة ابن خلدون ص 532).
وجهان للفعل الواحد:
ومن الشواهد على سلطان النحو على اللغة ما ذكر 5 أبو حيان التوحيدي قال:
"سمعت في مجلس أبي سعيد - يعني المص يرافي - شيخا من أهل الأدب يقول: ومن
الأفعال ما له وجهان، كشيء ينصرف على معنيين: مثل: أصاب عبدُ الله مالاً،
وأصاب عبدَ الله مالٌ، إذا أصابه مال من قسمة، ووافق زيد حديثَنا، إذا صادفهم
يتحدثون، ووافق زيداً حديثُنا، إذا سر 5 وأعجبه، وأحرز زيدٌ سيفَه، إذا صانه في
غمده، وأحرز زيداً سيفُه، إذا خلّصه من الفتل وشبهه. ولو قلت: أحرز امرؤ أجلَه لم
يجز؟ لأن الرجل لا يحرز اجله، ولكن أجله يُحرزه، إلا أن تذهب إلى قولك:
أحرزت أجلي بالعمل الصالج.
442