كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

ثم يقول أبو حيان: انطر - فديتك - إلى أثر النحو في هذا القدر اليسير،
وتعجب عنده من ابي حنيفة الصوفي حين قال لك: إن اللّه عزَّ وجل أمرنا بالطاعة
والِإيمان، وإنه لم يأمرنا بالنحو، وإلا فهاب أنه يدل على أنه أمرنا بأن نتعلم "ضرب
عبد الله زيداَ"، وقد رأيت روغانه عن تحصيل الحجة في معرفة ذلك: الا يعلم أ ن
الكلام كالجسم والنحو كالحلية وأن التمييز بين الجسم والجسم إنما يقع بالحلى
القائمة والأعراض الحالّة فيه، وأن حاجته إلى حركة الكلمة بأخذه وجوه الِإعراب
حتى يتميز الخطأ والصواب، كحاجته إلى نفس الخطاب، وليس على كلامه قياس،
ولا في ركاكة بني جنسه التباس، وإنما غرَّه من هو أنقص منه فطرة، وأخس نظراَ
وفكرة، أتراه يصل إلى تخليص اللفظ المبني على معنى دون اللفط المبنى على معنى
آخر، إلا بحفظ الأسماء وتصريفها؟ أو تراه يقف على تحصيل المعنى المدفون في
هذا اللفظ دون المعنى المدفون في هذا اللفظ إلأَ بتمييز وجوه حركات اللفط؟ "،
(البصائر والذخائر 1/ 179 - 180).
وفي هذا النص - فوق ما اوردته له - إشارة إلى ضيق بعض الناس بالنحو من
قديم، وهذا مما يرجع إلى ضعف الهمم وقصور الخطى ليس غير، على نحو ما قال
ربنا عزَّ وجل: " وَإِذ لَتم يَقتَاوا بِهِءفَسَيَفُو! ونَ هَذَآ إِفْك قَدِيص "بر.*ا" أ الأحقاف: 1 1)، فما
ينبغي أن يتخذ مثل ذلك حجة على اطراح النحو أو إهماله.
على أن مثل "أبي حنيفة الصوفي " هذا لا ينبغي أن يهتم برايه في النحو
واستصعابه له، وذلك لجهالة شأنه وخفوت ذكره، أما أن يأتي شاعر ضخم مثل
الفرزدق فيسخر من قواعد النحو، فيما أجاب به عبد اللّه بن ابي إسحاق الحضرمي،
في الفصة المشهورة، وقوله: "علينا أن نفول وعليكم أن تتأولوا"، أو ان يؤثر عن
الفيلسوف الشهير "ابن الراوندي - على زندقته وإلحاده - طعن في النحو ونقض
على النحويين، فهذا الذي ينبغي الوقوف عنده والاحتفال به، وقد قلت رأيي في
قصة الفرزدق تلك، في الهلال (ديسمبر 1992 م)، وانتهيت يومئذ إلى أن قول
الفرزدق وقول سواه من الشعراء الذين أظهروا سخطهم على النحو وقواعده إنما هو
443

الصفحة 443