كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

والعلامة الِإعرابية هي قضية القضايا في النحو العربي بقسميه: نحو الصنعة
ونحو التراكيب، وقد أكثر الدارسون القدامى والمحدثون من الكلام عنها، وعن
العامل الذي جلبها، وهل هو عامل لفظي او معنوي، مما لا يتسع المقام هنا لبسطه
وشرحه، ومن اجمع ما كتب فيها كتاب: "العلامة الِإعرابية في الجملة بين القديم
والحديث "، للدكتور محمد حماسة عبد اللطيف.
وهذه العلامة هي إحدى القرائن النحوية، ومهما اختلف الدارسون في وضع
هذه العلامة مع الفرائن الأخرى، سبقاَ أو توسطاً أو تأخراَ، فلن يستطيع الدارس
المستند إلى قراءة واسعة في كتب النحو وفي غير كتب النحو، أن يغفل أثر هذه
العلامة، وانها أحياناً تكون حاسمة في تحديد المعاني والدلالات، لا يشركها معها
غيرها، ولا يقوم شيء مقامها، وأمثلة ذلك مما يطول به الكلام جدأ، وأظن أنه
لا يخفى على القارىء اختلاف الدلالة في قوله تعالى: "أَنَّ أدلَّهَ بَرِ! ءُ كرُ اَئمُشْركِين
وَرَسُولُة " 1 التوبة: 3)، برفع اللام وجرها من (رسوله) وكذلك اختلاف تقدير عدد
النسوة في قولنا: "جاء سبعة رجال ونسوة " بين جر "نسوة" ورفعها، فإذا قلنا
و "نسوة " بالجر، كان عددهن سبعاً، لأن "نسوة " حينئذ تكون معطوفة على " رجال "
وهم سبعة، وإذا قلنا "نسوة " بالرفع، كانت على الابتداء، والخبر محذوف، وتقدير
الكلام " ونسوبر لا يعلم عددهن ".
سأترك هذا واشباهه لأذكر مثالين اثنين على الِإعراب وأثره في توجيه المعنى،
وعلى المعنى وأثره في توجيه الِإعراب، وإنما ذكرت هذين المثالين لأن الناس
لا تلتفت إليهما ولا تقف عندهما.
الفرق بين الرفع والنصب:
المثال الأول، ذكره ابن هشام في المغني 528/ 2: "قال الشَلوْبين (654 هـ):
حُكي لي أن نحويّاَ من كبار طلبة الجُزُولي سُئل عن إعراب (كلالة) من قوله تعالى:
" وَإِن كاَتَ رَجُل يُورَثُ! نَلَةَ أَوِ أفرَأَب! " 1 النساء: 12)، فقال: أخبروني ما
447

الصفحة 447