كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

على ان أغرب ما في الأمر انه قد صار (مَلْطَشَة) يتكلم فيه من يعرف ومن
لا يعرف، فإن بعض الذين يكتبون عن النحو الان لا صلة لهم به، لا من قريب ولا
من بعيد، وإنما هي نُقُول ومتابعات ينفلها لاحق عن سابق، ثم ينسبها إلى نفسه
ويتنفَّخ بها على خلق الله، وهذا هو الزور بعينه، على ما جاء في الحديث الصحيح
الذي اخرجه البخاري ومسلم وغيرهما: "المتشبّع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور"،
وهكذا تسير الأمور، وكأن الأمر في الكتابة عن النحو قد صار (على المشاع).
ومن ذلك ما كتبه الأستاذ بدر نشأت في الأهرام 1996/ 7/5 م بعنوان: "بين
فصحى نعرفها وعامية نجهلها"، وفي هذه الكلمة ترديد لأقوال السابقين، مع تخليط
كثير، وجرأة عجيبة، من مئل قوله: "إن القراءة الصحيحة السليمة تفتقد السرعة
والمباشرة، فالقراءة بالتنوين تطيل الوقت، وتضاعف جهود النطق، وهي امور ما
عادت تتفق وإيقاع العصر وتتعارض مع النزوع البشري المطرد إلى الاقتصاد في
الجهد والوقت، فاللغة كائن حي، لا بد لها من ان تلاحق إيقاع الحياة وتتكيف
معه".
وأنا لا أفهم معنى القراءة بالتنوين هذ 5؟ هل التراكيب النحوية كلها تجري في
نطقها على التنوين؟ فما بال الأسماء التي لا يجتمع معها التنوين، مثل الأسماء
المعزفة بأل، والأسماء المعربة المضافة، والأسماء المبنية، والأسماء الممنوعة من
الصرف، والمثنى والمجموع؟ ثم ما بال الأسماء الموقوف عليها؟
ويقول الأستاذ بدر نشأت أيضاً: "ويجب ان يعلم النحويون عندنا ان علم
النحو العربي يحتاج في كثير منه إلى صياغة جديدة، فقد قام على رؤية معيارية،
وعمد إلى الافتراض، واستنباط القواعد التي تضبط الجانب الكتابي، واهمل
الجانب الصوتي الذي هو موطن اللغة الأصلي، وهو ما أدى إلى ما نشكو منه اليوم
من تعقيد في اللغة العربية ".
وهذا كلام مكرور ومُعاد، أعرف منابته ومغارسه، كما قالت العرب في
462

الصفحة 462