كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
قلت: حسبك فقد سفطت مؤونة الكلام بيني وبينك، فأنت غريب المحل، ناء عن
ا لد يا ر.
ثم ازيدك عجباً أيها القارىء الكريم - ومن يعش ير عجباً، كما قالت العرب -
ان النحو العربي الان يهاجم أيضاً من بعض الِإسلاميين الذين يصرخون ليل نهار،
دفاعاَ عن الِإسلام وخوفاَ عليه، ولكن كيف يهاجم هؤلاء النحو؟ سمعت كبيراً منهم
في محفل عام يقول: "إن المسلمين الأوائل شُغلوا بإعراب القرآن عن تطبيقه "، وقد
غَفَل هذا الغبي - نستغفر الله من فاحش القول - عن ان كثيراً من كلام ربنا عزَّ وجل
لا يُفهم ولا يطبق إلا إذا عُرف وجهه النحوي الصحيح، والأمثلة من ذلك كثيرة
لا اريد ان اطيل بذكرها، وقد ذكرت شيئاً منها في صدر كلمتي.
وما بقي إلا الِإشارة إلى أن النفخ في نار الهجوم على النحو العربي في هذه
الأيام، إنما خرج من كير الزميل العزيز الدكتور احمد درويش، الذي كتب خمس
مقالات بجريدة الأهرام ايضاً، اختار لها عنواناً جذاباً هو "انقذوا اللغة من أيدي
النحاة "، وفي هذا العنوان من الِإثارة وفتح الشهية ما ترى.
وأخطر ما في كلام الزميل العزيز أنه استطال فيه بذكائه، واحتشد له بتلك
المصطلحات والتراكيب التي تخطف بصر القارىء وتهزه هزاً وتخيفه و(تَخُضُّه) على
ما وصفت من كلام الأستاذ احمد عبد المعطي حجازي من قبل. وهو نمط من الكلام
إن اعجب بعض الناس فإنه عند كثير منهم خفيف هين، كما قال الشاعر: "وخمرُ
ابي الزَوْقاءِ ليست تُسْكِر".
وليس من همي هنا ان انقض كلام الزميل العزيز أو ارده، فلذلك موضع آخر،
لكني أريد ان اذكره فقط بان هذا النحو القديم الذي سخر منه ومن اعلامه، ثم دعا
إلى إنقاذ اللغة منه ومنهم: هو الذي أنطق لسانه وفجَر بيانه؟ فإن الزميل العزيز ممن
ينتمون إلى جيل الحفظة: حفظة المتون، فقد التقى وهو في طراءة الصبا ثم في ميعة
الشباب بالتحفة السنية شارحة الاجرومية، وتنقيج الأزهرية وقطر الندى وشذور
464