كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

وجعلوا من اموالهم نصيباَ مفروضاَ لطبع الكتب وتعميم النفع بها.
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بدا نهر الخير يتدفق على يد هؤلاء
الأثرياء الأبرار الذين سعوا في طبع اصول الكتب العربية، ولن يتسع المقام هنا لذكر
أولئك الأثرياء، فلنكتف بأبرزهم، وأولهم: العلامة أبو الطيب صديق بن حسن بن
علي بن لطف الله الحسيني الفِنَّوْجي البخاري، وهو أحد رجال النهضة الِإسلامية
المجددين، وصاحب المؤلفات الشهيرة: الدين الخالص، وأبجد العلوم، والتاج
المكلل من جواهر مآثر الطراز الَاخر والأول، وكان هذا الرجل مع اشتغاله بالعلم
والتصنيف ميسوراَ صاحب ثروة، ففد تزوج بملكة بهوبال، فعظم شأنه وكثرت
ثروته، وقد كان من فضل الله على هذا الرجل أن وفقه لأن يطبع على نفقته اعلى
كتاب في شروح الحديث، وهو "فتح الباري بشرح صحيج البخاري " للحافظ ابن
حجر العسقلاني المصري الشافعي.
ومن هذه الطائفة النبيلة: احمد بك أحمد الحسيني الشافعي المحامي،
المولود بالقاهرة سنة 1271 هـ- 1854 م، اشتغل بالمحاماة ونبغ فيها، ثم انقطع
للتأليف، فكانت له رسائل معظمها في الفقه الشافعي. وقد انفق هذا السري النبيل
الكثير على طبع كتاب "الأم" للِإمام محمد بن إدريس الشافعي، وقد سمعت من
مشايخي من اهل العلم، وعلماء المخطوطات أن السيد أحمد الحسيني هذا، باع
"عزبة " من املاكه للِإنفاق على طبع كتاب "الأم ".
ومن وراء هذين الاسمين الكبيرين نرى أسماء كثيرة مضت في ذلك الطريق
العظيم.
ولم يقف الأفراد وحدهم لطبع الكتب على نفقتهم، فقد رأينا في ذلك الزمان
قيام جماعات من أهل العلم ومحبيه لنشر الكتب الموسوعية، نذكر منها جمعية
المعارف بمصر، التي اسسها محمد عارف باشا عام 1868 م، وقد وصل اعضاء هذه
الجمعية إلى "661" عضواً، وشركة طبع الكتب العربية سنة 1898 م. بل إن جماعة
من اهل الخير في مكة المكرمة قد نشطوا للِإنفاق على طبع كتاب خزانة الأدب
468

الصفحة 468