كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

والراي المدخول. . . لا يعني بهذا التعريض وبهذه الصفة أحداً سوى قاضي القضاة
المعتزلي عبد الجبار". وبعد ذلك نقل أبو فهر عبارة القاضي عبد الجبار، من كتابه:
"المغني"، وهي: "أن الفصاحة لا تظهر في افراد الكلام، وإنما تظهر بالضم على
طريقة مخصوصة ".
أرايت أيها القارىء الكريم؟ هذه ثلاثون عامأ تصرَّمت من الزمان، والقضية في
بال الرجل، كأنها هَمُّ الليل والنهار، قضية حية في عقله، جارية في دمه، لم تسقط
بالتفادم، ولم تنسحب عليها ذيول النسيان! ومثل هذه القضية كثير في كل ما كتب
أبو فهر في اللغة والشعر، وسائر علوم الأمة، ولا نفيض في هذا لأن القصد الان
الكشف عن منهج الشيخ في تحقيق التراث، وهو منهج صعب شاق، لأنه مباين لكل
ما ألفه الناس الذين اشتغلوا بنشر الكتب من عرب وعجم، إذ كان قائما على الجد
والصرامة والِإتقان، مستندأ إلى قراءة واسعة محيطة، مع الذكاء الشديد اللمح،
والحفظ الجامع الذي لا يتففَت ولا يخون.
الشيخ واللغة:
وأول ما يلقانا من منهج ابي فهر: اللغة، حروفأ وأبنية وتراكيب، فقد استولى
من ذلك كله على الأمد. واللغة هي الباب الأول في ثقافات الأمم، وإهمالها أ و
التفريط فيها، أو السخرية منها، هدم لتاريخ الأمم، ومحو لها من الوجود. وعناية
أبي فهر باللغة قديمة، ومن أقدم ما كتب فيها ما نشره بالمقتطف عام 0 194، بعنوان
(علم معاني اسرار الحروف - سر من اسرار العربية)، وفي الفترة القليلة التي شارك
فيها في إخراج مجلة "المختار" استطاع ان يقدم مستوى عاليا للترجمة الصحفية لم
يُعرف من قبل؟ وأدخل جملة من المصطلحات الجديدة في اللغة للتعبير عن وسائل
واختراعات حديثة من نوع "الطائرات النفاثة "، وما زال الجيل الذي عاصر " المختار"
من الصحفيين المعاصرين يعتبرون عناوين "المختار" التي كان يصوغها نموذجاً
يحتذى. وطالما ذكر صديق عمره يحيى حقي، رحمه الله، فضله عليه في التنبه
لأسرار اللغة وفنية استخدامها والتعامل معها.
483

الصفحة 483