كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

وإجلال أبي فهر للغة والحذر في استعمالها واضح لائج في كل ما كتب وفي
كل ما حقق. ويقول تعليقاً على كلام لأبي جعفر الطبري، في تفسير قوله تعالى:
" فَآتُوأ حَرْثَكُئم أَفئَ شِئتُتم ": "حجة أبي جعفر في هذا الفصل، من أحسن البيان عن
معاني القرآن، وعن معاني ألفاظه وحروفه، وهي دليل على أن معرفة العربية وحذقها
والتوغل في شعرها وبيانها وأساليبها، أصل من الأصول، لا يحل لمن يتكلم في
الفرآن ان يتكلم فيه حتى يُحسُنه ويحذقه ". تفسير الطبري 4/ 16 4.
ومعلوم أن من عدة المحقق معرفة غريب اللغة حتى يتمكن من تصحيح ما
يصادفه من ذلك التصحيف والتحريف الذي مُنيت به بعض مخطوطاتنا، نتيجة لجهل
النساخ، أو عوامل الزمن. ولأبي فهر في ذلك وقفات كثيرة وتصحيحات، منها:
جاء في تفسير الطبري 8/ 528، من قول أبي جعفر الطبري، في الاية 65 من سورة
النساء: " وإذا قرىء كذلك فلا مَرْزِئَة على قارئه في إعرابه "، ويعلق ابو فهر: " المرزئة
- بفتح الميم وسكون الراء وكسر الزاي - مثل الرزء والرزيئة، وهو المصيبة والعناء
والضرر والنقص. . . وكان في المطبوعة والمخطوطة: "فلا مرد به على قارئه "، وهو
شيء لا يفهم ولا يقال ".
وجاء في طبقات فحول الشعراء لابن سلام ص 6 0 1، قول كعب بن زهير:
ألا أبلغا هذا المعزَض آيةً أيقظان قال القول إذ قال أو حَلَمْ
ويشير أبو فهر في الحاشية إلى أن الرواية في ديوان كعب، والاستيعاب لابن
عبد البر " أنه " مكان " آية " ثم يقول: وهي ضعيفة جداً، والصواب ما في مخطوطة ابن
سلاَّم، وقد جاء أبو جعفر الطبري بهذا البيت شاهداً على أن الاية: القصة، وان كعبأ
عنى بقوله: "آية" رسالة مني وخبراً عني. قال ابو فهر: والَاية بمعنى الرسالة لم
تذكره كتب اللغة، ولكن شواهده لا تعد كثرة، ومن ذلك قول حجل بن نضلة:
أبلغ معاوية الممرق آية عني فلست كبعض ما يُتقوَّل
وقول أبي العيال الهذلي:
أبلغ معاوية بن صخر آية يَهْوِي إليك بها البريدُ الأعجلُ
484

الصفحة 484