كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
وتاتي المفدمة الثانية للكتاب، وقد جعلها المؤلف للحديث عن مصادر الشعر
الأولى، وعالج فيها جملة من القضايا حول جمع الشعر وتدوينه، فعرض لدواوين
القبائل، ودواوين الشعراء، والمجاميع الشعرية، كالمعلقات وشروحها، والمجاميع
المنسوبة لجامعيها، مثل المفضليات والأصمعيات، وجمهرة اشعار العرب للقَرْشي،
والحماسات والمختارات والأمالي، كل ذلك ذكره وذكر أصحابه ومخطوطاته
ومطبوعاته.
والكتاب في جملته: سواء في مقدمتيه أو في حديثه عن الكتب العشرة، من
خير ما يقدم لطالب الدراسات العربية والِإسلامية، فهو اولا قد سلم من تلك الثرثرة
التي يخوض فيها بعض أساتذة الجامعة من الكلام في المنهج العلمي، والصعود
والهبوط مع العموميات التي لا يعود الطالب منها بشيء، ثم في طعنهم في التراث
واستهانتهم بالعقل العربي وسخريتهم من علومه واعلامه، دون سند او حجة إلا
المتابعة والِإخلاد إلى الراحة، والزعم بالانتصار للموضوعية والذود عن حماها، وما
هو إلا "ما أصاب حياتنا الثقافية من داء الطراوة والليونة والترهل والركود" كما قال
المؤلف في ص 158 من الكتاب.
والكتاب ثانياَ مليء بمواضع الفخر والاعتزاز بذلك التراث الذي انتهى
إلينا خلال خمسة عشر قرناً، وهي مواقف ثابتة، لا سبيل إلى الطعن فيها،
أو الانتقاص منها، لأنها صحيحة السند، ليست وليدة تنفُّخ كاذب، او ادعاء
ساذج.
فأول ما يلقى الطالب من كلام المؤلف هو قوله في مستهل مقدمته: "لا أظن
أدباً معاصراَ له من العمر ما للأدب العربي.
إن أقدم نص أدبي، في أية لغة أوروبية معاصرة - مثلاً - لا يتجاوز القرن
الثاني عشر الميلادي بحال، وما قبله فآداب بلغات أخرى، اندثرت أو أصبحت
تاريخاً يدرس، وحتى هذه الَاداب الأوروبية تطورت لتصبج على ما هي عليه الَان،
تطورت في الأصوات وفي الدلالة وفي التركيب، فالِإيطالي العادي، والِإسباني غير
496