كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

عاصمة - أعظم مركز للثقافة في أوروبا، وأن تنال شهرة عالمية تبعث الرهبة
والِإعجاب، لقد كان لها واحد وعشرون ضاحية، وفيها سبعون داراً للكتب،
مرصوفة الطرق، مضاءة الشوارع، زاخرة بالحمامات العامة، في الوقت الذي كانت
فيه جامعة أكسفورد - مثلاَ - ترى الاستحمام عادة وثنية. . . وكانت وسائل الثقافة
متاحة للناس جميعاً، وعلى حين لم يكن في بقية أوروبا من يعرف القراءة والكتابة،
باستثناء رجال الكهنوت، كانت معرفتها امراَ عاديّاً وشائعاً في إسبانيا الِإسلامية، وقلّ
فيها من كان أمِّيّاً" الكتاب ص 279.
ويقول عن محمد بن سلأَم صاحب كتاب طبقات فحول الشعراء
-ص 163 - : "كان حديثه المفصل عن الانتحال المعالم الهادية لما قام به
المستشرقون في اواخر القرن الماضي، وأوائل هذا القرن، من دراسات عن صحة
الشعر الجاهلي، ومن احتذى منهجهم وتبنى أفكارهم في العالم العربي، وكل الذين
تحدثوا بعده في هذا الأمر كانوا عالة عليه، والفارق بين ابن سلأَم وبين العرب
المعاصرين أن الرجل كان يقدر دور الكلمة فلم يتخفف من المسؤولية، ولم يتخذ
الشطط مطية، وا لشهرة غا ية، فجاءت آرا ؤه، وستبقى تشع جلالاً وتواضعا وإخلاصا ".
فأين هذا الكلام الذي يحمل التوقير كله والِإجلال كله لعلمائنا الأوائل، من
قول أستاذ جامعي عن الطبيب العربي الشهير ابن النفيس: " إنه حلاق صحة "، وقوله
عن أبي حيان التوحيدي: "إنه رجل صايع ولو رآه عسكري يسير في الشارع بالليل
لأخذ 5 تحري "؟
والعجيب أنَ هذا الأستاذ الجامعي يقول هذا الكلام على مسمع من الناس،
وهو عائد من حفلة عشاء فاخرة على ظهر باخرة نيلية، في ليلة من ليالي مهرجان أبي
حيان التوحيدي الذي أقامه المجلس الأعلى للثقافة (طيب يا اخي خلّي عندك شوية
دم، دانت لسه واكل على حساب الراجل! ولقد كان من حق "جابر عصفور" أن يضع
أصبعه في حلقك لتقي ء ما اكلته على حساب أبي حيان)، فهذا موضع المثل العربي
الصادق "أكلاً وذماً"، أي تأكلون أكلاً وتذمون ذماً، أو كما قال عبد اللّه بن الزبير في
499

الصفحة 499