كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 1)

وقد وضع ابن السبكي كتابه هذا رداَ على سؤال ورد عليه، أو وضعه هو
بين يدي كتابه، موضوعه: "هل من طريق لمن سلب نعمة دينية أو دنيوية إذا
سلكها عادت إليه، وردَت عليه "؟ وإجابة عن هذا السؤال راح ابن السبكي ينقد
بقسوة وصراحة طوائف الأمة، ابتداء من السلطان إلى ارباب الحرف، آخذاَ
في طريقه نواب السلطان والقضاة والمدرسين، ورجال الدين من العلماء
والصوفية.
استمع إليه يلخص رأيه في الأتراك عموماً، فيقول: "وقد اعتبرت كثيراً من
الأتراك يميلون إلى أول شاك، وما ذاك إلا للغفلة المستولية على قلوبهم "، ثم
يسخر من هؤلاء الأتراك وتعلقهم من الِإسلام بالمظاهر الفارغة، فيقول: "واما أنك
ترتكب ما نهى الله عنه وتترك ما أمر به، ثم تريد أن تعمر الجوامع بأموال الرعايا،
ليقال: هذا جامع فلان، فلا والله لن يتفبله الله تعالى ابداً".
ثئَم يتكفَم عن السلطان ويحدد اختصاصاته فيقول: "إن اللّه لم يوله على
المسلمين ليكون رئيساً آكلاَ شارباً مستريحاً، بل لينصر الدين ويعلي الكلمة ".
وحين يتحدث عن العلماء والمفتين يأخذ على بعض هؤلاء وأولئك تعصبهم
لمذاهبهم، وإضاعتهم الوقت في الخلافيات، فيقول مخاطباًالعلماء: "لو أن
الشافعي وابا حنيفة ومالكاً وأحمد أحياء يرزقون لشدَدوا النكير عليكم وتبراوا منكم
فيما تفعلون "، ثم يأتي إلى المفتين فيقول: "ومنهم طائفة تصلبت في أمر دينها،
فجزاها اللّه خيراَ، تنكر المنكر وتتشدد فيه، وتأخذ بالأغلظ، وتتوقى مظان التهم،
غير أنها تبالغ فلا تذكُر لضعفة الِإيمان من الأمراء والعوام إلا أغلظ المذاهب،
فيؤدي ذلك إلى عدم انقيادهم وسرعة نفورهم. فمن حق هذه الطائفة الملاطفة
وتسهيل ما في تسهيله فائدة لمثل هؤلاء إلى الخير، إذا كان الشرع قد جعل لتسهيله
طريقاً، كما أن من حقها التشديد فيما ترى ان في تسهيله ما يؤدي إلى ارتكاب
شيء من حرمات اللّه".
50

الصفحة 50