كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
يجب أن يفرط في مثله، وإن كان دونه - وذلك ما لا شك فيه - فتركه معجزة للقرآن
فلا يجب التفريط فيه، فاستحسن الجماعة قوله، ووافقه ابن هبة اللّه على الحق
وسكت ".
فمثل هذا الكلام، وتلك الأخبار التي ملأ بها المؤلف الفاضل كتابه، مما يقوي
ثقة ابنائنا بماضيهم وتراثهم، ويبعث فيهم الاعتزاز به، والحرص عليه، والدفاع عنه.
مواضع للنقد:
اما ما يندفع فيه بعض أساتذتنا وزملائنا الجامعيين، من نقد لعلوم الأمة
ومعارفها، مع ما يصحب ذلك أحياناً من السخرية والاستهزاء، فهو مما لا يصح ولا
يستقيم، ونعم إن في تراثنا مواضع للنقد والتتبع، وهو منقود من داخله من قديم،
فقد اعترض على سيبويه إمام النحاة ونقد واستدرك عليه، وكذلك تعرض البخاري
للنقد والتصحيح، وممن نبه على أوهامه الحافط شرف الدين الدمياطي،
عبد المؤمن بن خلف المتوفى بالفاهرة سنة " 705 هـ"، وليس احد إلا وانت اَخذ من
قوله وتارك - على ما قاله يونس بن حبيب - ولكن هذه الامور ينبغي أن تنحى عن
طلبة العلم في اول ايامهم، وتؤجل إلى أن يشتد عودهم ويستحصد زرعهم، حتى
يستطيعوا ان يميزوا الخبيث من الطيب.
وقد زان هذه المعارف التي امتلأ بها الكتاب أسلوب مشرق، وبيان عذب،
ارتفع بها المؤلف عن هذا الجفاف، وذلك العسر اللذين يشيعان في كتابات كثير من
الجامعيين الان.
وقد استحيا المؤلف بعض الأبنية والتراكيب الفصيحة التي يتحاشاها كثير من
الكتبة الَان، استخفافاً بها، أو غفلة عنها، فمن ذلك استعماله الفعل "كسر" بمعنى
قسم وفصَّل، وذلك قوله عن ابن النديم وكتابه الفهرست - ص 0 30 - " وقد كسر
محمد بن إسحاق كتابه على عشر مقالات ". وقوله عن المقَري وكتابه نفج الطيب
-ص 377 - "وكسره على ثمانية أبواب ". واستعمل هذا الفعل الفصيح ايضا في
ص 145، فقال عن دراسة الدكتور حنا جميل حداد "شواهد النحو الشعرية " قال:
501