كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
محمود شاكر .. والديار التي خلت (1)
وقالوا الِإمام قضى نحبه ... وصيحة من قد نعاه علَت
فقلت فما واحد قد مضى ... ولكنه أمة قد خلت
وليس في وصف محمود شاكر بأنه أمة وحده شيء من استرسال القلم بدواعي
الشجن لحادثة الموت وفوت الأماني بطلب البقاء، فإن سيرة هذا الرجل تنطق بأنه
واحد في هذا العصر، فلا يشبهه احد من أدباء زماننا، وما ظنك بأديب قرأ كتب
العربية في فنونها كلها، لا أستثني فناَ ولا علماً. أقول قولي هذا غير شاك ولا متردد،
فقد خالطت محمود شاكر ثلاثين عاماً، وخبرت سواده وبياضه، وعرفت علنه،
واطلعني على كثير من سره، ونظرت في مكتبته الضخمة فإذا على كل كتاب منها اثر
قراءة ونظر وتعليق.
لقد ولد محمود شاكر في أول فبراير 9 0 19 م، وتوفي في 7 أغسطس 1997 م،
فهذ 5 ثمانية وثمانون عاماَ، قضى منها سبعين عاماَ في القراءة والنظر والكتابة، وهذا
تاريخ موثوق به، فقد ظهر اسمه في أول عمل علمي سنة 1937، حين صحج
صفحات من كتاب "أدب الكاتب " لابن قتيبة، الذي أخرجه الشيخ محب الدين
الخطيب في ذلك العام، واشار إلى صنيع محمود شاكر في مقدمته، ومعلوم أنه
التحق بكلية الَاداب عام 1926 م، وقد اتصل بالعلم من قبل، فقد اخبرني رحمه اللّه
أنه قرأ " لسان العرب " كله، و" الأغاني " كله، وهو طالب بالثانوي، فهل تظن ان أديباً
من أدباء عصرنا قرأ هذين الأثرين، وهو في سن الثالثة عشرة او الخامسة عشرة؟
__________
(1) جريدة "الأهرام" (مصر)، 2 2 أغسطس 7 9 9 1 م.
520