كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
وتروح أيام وتجيء أيام، ويظل محمود شاكر لصيفاً بالكتاب، لا يكاد يدير
وجهه عنه. لقد القى محمود شاكر الدنيا خلف ظهره ودَبْر أذنيه، ولم يبال بإقبالها
أو إدبارها، وفرغ للعلم والمعرفة، وقد أعانه على امره عقل فذ، ونفس متوثبة،
وأشياء كثيرة مركوزة في الطبع، مذخورة في اصل الخلقة، مما يصطفي اللّه بها خلقه
من الأنبياء وأصحاب الرسالات وصناع الحضارات.
وقد كتبت عن محمود شاكر كثيراَ، وحاولت ان ألتمس وجوهاً من الوصف
تنبىء عن حقيفة حاله ومكنون أمره، وغاية ما انتهيت إليه أن الرجل رزق عقل
الشافعي وعبقرية الخليل ولسان ابن حزم وجلَد ابن تيمية، بل إني رأيت ان ليس بينه
وبين الجاحظ أحد في الكتابة والبيان، وكنت ارى أن كل هذا الذي قلته غير كاف في
حقه، حتى وقفت على ما اريد من وصفه في كلام لأبي حيان التوحيدي، يقارن بين
الجاحط وابن العميد، يقول أبو حيان:
" إن مذهب الجاحط مدبر بأشياء لا تلتقي عند كل إنسان، ولا تجتمع في صدر
كل احد، بالطبع والمنشأ والعلم والأصول والعادة والعمر والفراغ والعشق والمنافسة
والبلوغ. وهذه مفاتج قلما يملكها واحد، وسواها مغالق قفَما ينفك منها أحد".
فهذا كلام مفصل على محمود شاكر تفصيلاَ، ومصروف إليه صرفاَ، ويزد عليه
غيرته الشديدة على العربية ودفاعه الحار عنها، وخوضه تلك المعارك الرهيبة التي
خاضها بفلب رجل صلب عنيد فاتك، وقد خاض معاركه كلها وحده، غير متحيز إلى
فئة ولا منتصر بجماعة.
وبعد: فيا أبا فهر، أي علم باذخ طوي بموتك، وأي دليل هاد غاب برحيلك،
وأي ضوء ساطع طفىء بغيابك، وأي حزن أسود نشب بالقلب بفقدك:
ما في الصحاب أخو وجد نطارحه ... حديث نجد ولا صب نجاريه
وليرحمك ويرحمنا اللّه.
521
-.-
*0ء
ء0"
-! -
،0
521
ء،"
-! -
،ه