كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

وينشط الِإخباريون بتدوين ما وصل إليهم من أخبار الامم الماضية، والسيرة
النبوية وأخبار الصحابة والتابعين، مثل وهب بن منبه وعبيد بن شرية - وهذان كانا
في عصر بني أمية - والواقدي وكاتبه محمد بن سعد، ومحمد بن إسحاق،
وعبد الملك بن هشام، ومحمد بن حبيب، وابي الحسن المدائني، والزبير بن
بكار.
ويأتي جامعو اللغة والشعر وشُرَّاحه ونُقَّاده: يونس بن حبيب، وأبو عمرو بن
العلاء، وابو عمرو الشيباني، ومحمد بن سلأم الجمحي، وأبو عبيدة، والأصمعي،
وابو زيد الأنصاري، بحار علم جاشت أمواجها وأزبدت وتدفقت.
ويتألق فرسان الترجمة من اليونانية: جبريل بن بختيشوع، ويوحنا بن ماسويه،
ويوحنا البطريق، وحنين بن إسحاق، وثابت بن قرّة. ومعظم هؤلاء قد ولي الترجمة
في أيام الرشيد والمأمون، وقد كانت صلتهم بالعربية قوية، فيُروى أن "حنين بن
إسحاق " - وكان فصيحاَ جدأ في اليونانية - لزم الخليل بن أحمد حتى برع في لسان
العرب، وهو الذي أدخل كتاب "العين" بغداد، كما يقول ابن جلجل في طبقات
الأطباء والحكماء.
فهذه أسسى حضارة كاملة، قامت ماتعة فتية في نحو مائة وخمسين عامأ، فأفيُ
زمن هذا؟ واية أمة هذه؟
عاش الجاحظ ذلك العصر كله، وقرأ آثاره كلها، وروى عن رجاله وأعلامه،
واستوعب حصاده كله، وأتاه حقه فاودعه جميعه في مؤلفاته الكثيرة، التي يقول عنها
المسعودي: " لا يُعلم احد من الرواة واهل العلم أكثر كتباً منه ". وقد أحصى ياقوت
الحموي من مؤلفات الجاحظ مائة وثمانية وعشرين مصنفاَ، طبع منها: الحيوان
والبيان والتبيين والبخلاء والعثمانية والبرصان والعرجان والعميان والحولان،
والرسائل، والتاج في أخلاق الملوك (المنسوب إليه).
525

الصفحة 525