كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
يقول أبو الحسن المسعودي: " وكتب الجاحط - مع انحرافه المشهور - (يريد
ما كان عليه من الاعتزال وعداوة الشيعة، وكان المسعودي شيعئاَ) تجلو صدأ
الأذهان، وتكشف واضح البرهان، لأنه نظمها أحسن نظم، ورصفها أحسن رصف،
وكساها من كلامه اجزل لفظ، وكان إذا تخوف ملل القارىء وساَمة السامع خرج من
جد إلى هزل، ومن حكمة بليغة إلى نادرة ظريفة "، مروج الذهب 4/ 195.
ويبرز من بين مؤلفات الجاحط كتابه " البيان والتبيين " معلماَ ضخماَ من معالم
كتب العربية، وباباَ واسعاَ من أبواب الفكر العربي. ولهذا الكتاب في حياتي اثر
ضخم، فهو الذي قادني إلى كتب الجاحط الأخرى، فقرأتها كلمة كلمة، ولم اتعامل
معها تعامل المراجع الخاطفة، ثم هو الذىِ جذبني إلى كتب العربية الأخرى، ومن
قبل ذلك ومن بعده فهو الذي اذاقني حلاوة البيان العربي، وهو الذي هداني إلى هذه
الأنغام الجليلة الفخمة المترقرقة من مختار الكلام: شعراَ موزوناَ معقوداَ بقواف
محكمة، ونثراَ مصقولاَ مسنوناَ يتهادى بالحرف العربي مشرقاَ وضيئاَ متسقاَ لينصث
في السمع، ويتوئَج في القلب، فيحدث تلك النشوة الغامرة، ويمتع بذلك الطرب
المؤنس الودود.
ترك الأستاذ على جهله:
والكتاب في وصف بعض الأقدمين يُصثف ضمن علوم البلاغة بمعناها
الواسع، لا بمعناها الذي حُصر فيما بعد بالمعاني والبيان والبديع. يقول ابو هلال
العسكري: " وكان اكبرها وأشهرها - يعني كتب البلاغة - كتاب البيان والتبيين لائي
عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وهو لعمري كثير الفوائد، جئم المنافع، لما اشتمل
عليه من الفصول الشريفة والفِقر اللطيفة، والخطب الرائعة والأخبار البارعة، وما
حواه من أسماء الخطباء والبلغاء، وما نئه عليه من مقاديرهم في البلاغة والخطابة،
وغير ذلك من فنونه المختارة ونعوته المستحسنة " الصناعتين ص 5.
ويقول ابن رشيق القيرواني - وهو يُعزَف علم البيان -: " وقد استفرغ
ابو عثمان الجاحظ - وهو علامة وقته - الجهد، وصنع كتاباَ لا يبلغ جودة وفضلاَ،
527