كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

ثم ما ادعى الِإحاطة بهذا الفن لكثرته، وانه كلام الناس وأنفاسهم، لا يحيط به إلا اللّه
عر وجل "، العمدة 1/ 1 4 4.
ويقول المسعودي - وهو يعدد كتب الجاحظ -: " منها كتاب البيان
والتبيين، وهو اشرفها، لأنه جمع فيه بين المنثور والمنظوم وغرر الأشعار ومستحسن
الأخبار وبليغ الخطب، ما لو اقتصر عليه مقتصر لاكتفى به "، مروج الذهب
4/ 196.
وقد وضعه ابن خلدون ضمن علوم الأدب بمعنا 5 الواسع أيضاً، فقال قولته
السائرة: "وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة
دواوين، وهي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين
للجاحظ، وكتاب النوادر - يعني الأمالي - لأبي عليئ القالي البغدادي. وما سوى
هذ 5 الأربعة فتبع لها وفروع عنها"، مقدمة ابن خلدون ص 553.
والكتاب بذلك الوصف دائر على مباحث في البيان والبلاغة والخطابة والشعر
والأسجاع، مع ما يصحب ذلك كله من عرضه لنماذج من الوصايا والرسائل وطائفة
من كلام النساك والقصاص وكلام الحمقى ونوادرهم، ثم بعض الاختيارات البلاغية
من الكلام الموثق المنسوب.
واخشى أن يسرع بك الظن أيها القارىء المبتدىء فتظن إن ذلك الكتاب من
كتب الأسمار والتسلية والنوادر وإزجاء الفراغ، وأنه صورة من صور اهتمام أدباء
العرب بالجزئي دون الكلي، كما يزعم الزاعمون! وليس الطريق هنالك، إن الجاحظ
مفكر قبل أن يكون اديباً، حكى شمس الدين بن خلكان، عن أبي القاسم السيرافي،
قال: " حضرنا مجلس الأستاذ ابي الفضل بن العميد الوزير، فجرى ذكر الجاحظ،
فغض منه بعض الحاضرين وازرى به، وسكت الوزير عنه، فلما خرج الرجل قلت
له: سكت ايها الأستاذ عن هذا الرجل في قوله مع عادتك في الرد على أمثاله! فقال:
لم أجد في مقابلته أبلغ من تركه على جهله، ولو واقفته (جاء في وفيات الأعيان:
وافقته، بتقديم الفاء على القاف، وهو خطأ، وصوابه بتقديم القاف على الفاء) وبينت
528

الصفحة 528