كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

يقولون اقوالاً ولا يعلمونها ولو قيل هاتوا حفقوا لم يحققوا
ولكم أيها السادة أن تقولوا عن الشيخ أنه فريد عصره، وأنكم لا تعلمون له
شبيهاً فيما يعالجه أهل العلم الَان من تفسير القراَن والكشف عن مراد اللّه فيه، لكم أ ن
تقولوا هذا، ونحن نوافقكم عليه، أما أن تسحبوا هذا الحكم على علمائنا السابقين
جميعهم فلا نوافقكم عليه، بل نأخذ على أيديكم ونمنعكم منه، ونضيق عليكم فيه،
لأنه اغتيال لتاريخ علمائنا وأئمتنا، وقد دللتكم في مقالتي المنشورة بالهلال، على
عالم من أئمتنا السابقين - لا أقول يشبه الشيخ الشعراوي، ولكن الشيخ الشعراوي
هو الذي يشبهه - ذلكم هو جمال الدين ابو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن
الجوزي، الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعط المؤرخ الأديب، المولود ببغداد سنة
08 5 هـ- 4 1 1 1 م والمتوفى بها سنة 597 هـ- 0 0 12 م.
كان عالماَ فذاً كثير التصانيف في التفسير والحديث والتاريخ واللغة. لكنه
عُرف بالوعط، وطارت له فيه شهرة عظيمة، حتى قيل في وصفه "عالم العراق وواعط
الافاق "، وقالوا في وصفه: إنه كان من أحسن الناس كلاماَ وأتمهم نظاماَ وأعذبهم
لساناَ وأجودهم بياناَ، وكان يحضر مجالس وعظه الخليفة العباسي المستضيء باللّه،
وكذلك الوزراء والعلماء والفقهاء "! القضاة وأرباب الدولة وسائر الناس على اختلاف
طبقاتهم، حتى قيل إن مجلس وعظه حزر بمائة ألف (انظر: العبر فىِ خبر من عبر
للذهبي 298/ 4).
وقد وصف الرحالة ابن جبير مجلساَ من مجالس ابن الجوزي، وقد حضره،
فقال: "ثم إنه بعد أن فرغ من خطبته برقائق من الوعط وآيات بينات من الذكر، طارت
لها القلوب اشتياقاَ، وذابت بها الأنفس احتراقاَ، إلى ان علا الضجيج، وتردد بشهقاته
النشيج، وأعلن التائبون بالصياح، وتساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح، كل
يلقي ناصيته بيده فيجزها ويمسج على رأسه داعياَ له، ومنهم من يغشى عليه فيرفع في
الأذرع إليه. فشاهدنا هولاَ يملأ النفوس إنابة وندامة، ويذكرها هول يوم القيامة "،
رحلة ابن جبير ص 197، 198.
566

الصفحة 566