كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

ما هذا يا امير المؤمنين؟ فقال معاوية: إن الكريم طروب. مجالس ثعلب ص 47.
على ان هذه الحركات من الشيخ إنما تدل على حالة مزاجية خاصة كانت
تلازمه في دروسه ومجالسه، وهي حالة من البهجة والنشوة كانت تتلبس الشيخ حين
يسبج في أنوار القرآن، ويرتع في رياض العربية: فصاحتها وبيانها، وقل من يتنبَه لهذا
الأمر في تحليل شخصية الشيخ: إنه يتلذذ بما يقول، ويطرب لما يجري على لسانه،
فيتلذذ معه الناس ويطربون، والواعظ الجيد كان يوصف قديماً بالمطرب، قال
الذهبي في ترجمة العبادي المذكور قريباً: "الواعظ المشهور المطرب ".
وقد صرح الشيخ بهذه الحالة المزاجية، فقالط رداً على سؤالط للأستاذ صلاح
منتصر، عن سر جاذبيته: "يعلم اللّه اني ما أقبلت على لقاء أو تسجيل او ندوة
أو حديث إلا وأنا أدرك حلاوة ما أقبل عليه " الأهرام 0 2/ 6.
وأنت لو أرهفت سمعك مع الشيخ لسمعته حين يحلق مع خواطره يتواجد ويطرب
فيقولط لنفسه بصوت خفيض ولكنه مسموع - " اللّه اللّه " - يعني بالتعبير المصري: الرجل
بيشتغل بمزاج - وهذا شيء معهود في قراء القرآن والمطربين، يهمهمون أحياناً تعبيراً
عن سعادتهم ونشوتهم، وقد لا يهمهمون ولكن حالتهم المزاجية تدلط على ذلك.
وفي تسجيل نادر للشيخ مصطفى إسماعيل في سورة هود، وصل الشيخ
رحمه اللّه إلى درجة عالية جدّاً من حلاوة الصوت وجمال الأداء، فقالط له أحد
المستمعين: " وحياة النبي انت بتسمع معانا الليلة دي "!
وفي تسجيل حفلة لمطرب المائة عام -كما كان يفولط أستاذنا كمالط النجمي
رحمه الله - محمد عبد الوهاب - صدح بأغنية "كل ده كان ليه "، وكانت الحفلة في
نادي الضباط، اوائل الثورة، وصل عبد الوهاب إلى الغاية في الحلاوة والسلطنة،
فسمعنا 5 يخاطب أعضاء فرقته الموسيقية: "قولوا لنا حاجة، ما تقولوا لنا حاجة "،
كأنه يقولط لهم: إنني في حالة من الوجد والنشوة فشاركوني انتم ايضا في ذلك
بالعزف المنفرد (الصولو) على آ لاتكم.
أما أم كلثوم العظيمة فهمهماتها معروفة مسموعة.
576

الصفحة 576