كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

موقف غريب!
فما اظن هؤلاء المثففين الذين كرهوا الشيخ وأعرضوا عنه وسخروا منه وقالوا
فيه أسوأ الذي قالوا، ما أظنهم فعلوا ذلك إلا انفة واستعلاء وذهاباً بأنفسهم ان
يجتمعوا على مائدة واحدة مع العامة الذين يصيحون ويفغرون أفواههم إعجاباً
بالشيخ، فهذه (ديماغوجية) بغيضة عند المثقفين الأكابر والأدباء، أصحاب الجبا5
العالية، وهذا يذكرنا بموقف أولئك الذين كانوا يعرضون عن حزب الوفد ويسخرون
منه، لأنه يجمع الغوغاء والدهماء من عامة الشعب، ويرون أن حزباً مثل حزب
الأحرار الدستوريين جدير بالاحترام والتبجيل، لاجتماع الصفوة في رحابه في
مقدمتهم الدكتور محمد حسين هيكل باشا.
ولم يكن المثقفون وحدهم في هذا الموقف من الشيخ، بل شاركهم كثير من
الجامغيين، والعتب على هؤلاء أشد، والمحنة في موقفهم هذا أعظم، لأنهم كانوا
أولى الناس بأن ينتبهوا إلى الشيخ، ويتأملوا منهجه في البيان واللغة، وهذا السيل
المنهمر من الشعر الذي قلما يجتمع في صدر أحد من أهل زماننا.
لقد سلك الشيخ مسالك عجيبة في بيان إعجاز القرآن والكشف عن مراد الله في
هذا الكتاب الحكيم، بتأمل اللغة، والنفاذ إلى أعماقها، وإبراز خصائصها الصوتية
والتركيبية، وكنتم انتم أيها الجامعيون اولى الناس بمتابعة الشيخ في ذلك، ودرسه
وتكميله، وإضاءته بمناهج الدرس الحديث، ولكنكم فتنتم أنفسكم وارتبتم وغرتكم
مناصبكم الجامعية، فتكبرتم واعرضتم عن الشيخ جملة، وقد ظلمتم أنفسكم
باتخاذكم الكبر، فتوبوا إلى بارئكم، واعكفوا على تراث الشيخ المسموع والمرئي،
فأعملوا فيه عقولكم، وأعطوه حظه من النظر والتأمل، فإن الشيخ قد أوتي علماً
عظيماَ، ينبغي علينا نحن ورئة 2 الأنبياء كشفه وإظهاره، وسنحرز معه الأجر ونشركه
في المثوبة إن شاء اللّه. فنحن وإيا 5 على ثغر من ئغور العربية، نحميها ونذود عنها،
ونجالد الناس عليها، وتلك مرتبة عليا، فقد قال عبد الله بن المبارك (181 هـ):
"لا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم "، سير أعلام النبلاء 8/ 343.
577

الصفحة 577