كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
الشيخ الشعراوي .. والفتنة بما يقوله الكبار (1)
رحم اللّه شيخنا الشعراوي، فمنذ نحو ثلاثين عاماً خرج على الناس صوت
جديد، يدعو إلى اللّه على بصيرة، ويكشف عن مراد اللّه من كلامه الفديم، على نحو
مباين لما الفه الناس في زماننا هذا. ذلكم هو الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكان
الفضل في إبلأع هذا الصوت وإذاعته مصروفاً كله إلى الأستاذ الاديب احمد فراج،
في برنامجه التلفزيوني " نور على نور".
ويوماً بعد يوم أخذ الناس يجتمعون حول ذلك الصوت لما ظهر لهم من أسلوبه
الفريد في عرض القضايا ومناقشتها والاستدلال عليها، وأخذ الشيخ يبسط سلطانه
على ساحة الخطاب الديني المرئي والمسموع، مخلياً مساحة كبيرة بينه وبين سائر
الدعاة والوعاظ، لكنه قد لقي - في أول امره -شيئاً من الِإنكار والتجافي، وبخاصة
من بعض المثقفين الذين أعرضوا عنه انفة واستعلاء، وذهاباً بأنفسهم عما تجتمع
عليه العامة، ولعل ذلك الِإعراض يرجع أيضاً إلى ما اثر عن الوعاظ قديماً وحديثاً،
من مخاطبتهم للمشاعر القريبة في الناس، واستنفارهم لشجون العواطف والقلوب،
وبُعدهم عن معالجة قضايا الفكر ومسارح التأمل، على ما قرره توفيق الحكيم في
كتابه " فن الأدب "، وفي كلام بعض اهل العلم قديماً ما يشير إلى ذلك.
يقول مجد الدين بن الاثير في مقدمة كتابه " النهاية في غريب الحديث والأثر"،
وهو يتحدث عن جهود العلماء في التأليف في علم غريب الحديث: " وكان في زماننا
ايضاً، الِإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، كان متفنناً في علومه،
__________
(1) مجلة "العربي"، العدد 0 8 4، نو فمبر 8 9 9 1 م.
579