كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

قلت: وهكذا ترى أيها القارىء الكريم أن كتب التراث يصدق بعضها بعضاً،
ثم تأمل بعد ذلك كيف وقعت هذه الكلمة للشيخ الشعراوي، واستقرت في محفوظه،
ثم ظهرت على لسانه.
أنوار اليقين:
وبهذه المعرفة الواسعة باللغة واستحضار الشعر، وتمثل فروع الثقافة العربية
الِإسلامية كلها، ثم ما يفيضه الله على الشيخ من أنوار اليقين وتجليات الكشف، صار
للشيخ الشعراوي عند الناس مكان ومكانة، واصبج للذي يلقيه على الناس قوة
لا يشوبها ضعف، وإقناع لا يعتريه شك، وهكذا شأن الرؤوس والم! بوعين، يثق
الناس بما يتلقونه منهم، ويُلقون إليهم المقادة راضين مطمئنين، لا يراجعونهم رأياً،
ولا يخالفون عن أمرهم، لكن هذا طريق مخوف، والعاقبة فيه وخيمة، فقد يكون
بعض هذا الذي يأتي به الكبار المتبوعون معدولا به عن وجهه، مصروفأ إلى غير
حقيقته.
وكنت قد راجعت الشيخ الشعراوي في بعض تفسيراته وشروحه، في مقالة
الهلال التي أشرت إليها، لكني اعود إليه اليوم في أمر جلل وقضية خطيرة، وإنما
هولت وعظمت لأن الأمر يتصل بالقرآن الكريم وقراءاته، والخطأ في ذلك أو الجرأة
فيه مما يوقع في الهلكة ويورث الشك والضلال.
وبيان ذلك أن الشيخ رحمه الله عرض في بعض الحلقات التي سمعتها قبل
وفاته لقضية القراءات القرآنية، وانتهى إلى ان سبب الاختلاف فيها هو أن "المصحف
الشريف " في اول كتابته لم يكن منقوطاً، يعني "أشكال حروف مجردة "، فكان
العربي المسلم يقرأ وينطق بملكة اللغة المتوارثة -هكذا قال بالحرف - ويعني
السليقة، ودلل على ذلك ببعض الأمثلة، منها قوله تعالى: " صِتغَةَ أدنَه " 1 البقرة:
138)، وقوله تعالى: " قَالَ عَذَاب اُ! يبُ يه يَن أَشَاءُ " 1 الأعراف: 156)، وقوله
تعالى: " وَسَخًرَلَكوُمَافِى اَلشَمَؤتِ وَمَا فِى اَلازضق جمَيحَا قِنةُ" 1 الجاثية: 13)، وقال عن ا لآية
الأولى إنها قرئت قراءتين "صبغة " بالصاد المهملة بعدها باء موحدة ثم غين معجمة،
581

الصفحة 581