كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
عثمان بإرسال تلك المصاحف، بل ارسل مع كل مصحف عالماً من علماء القراءة
يعلم المسلمين وفق هذا المصحف، وعلى مقتضاه، فأمر زيد بن ثابت أن يقرىء
بالمدينة، وبعث عبد اللّه بن السائب إلى مكة، والمغيرة بن شهاب إلى الشام،
وعامر بن عبد قيس إلى البصرة، وابا عبد الرحمن السُّلمي إلى الكوفة. فكان كل
واحد من هؤلاء العلماء يمرىء اهل مصره بما تعلمه من الفراءات الثابتة عن
رسول اللّه ع!، بطريق التلقي والتواتر التي يحتملها رسم المصحف. وقد أمر عثمان
رضي اللّه عنه بحرق كل ما عدا مصحفه هذا.
خامساَ: معلوم أن "مصحف عثمان " هذا كان خالياَ من النقط والشكل،
وكذلك المصاحف المستنسخة منه، وكذلك كل ما كتب من القرآن زمان النبيّ لمج! م!،
كل ذلك كان مجرداَ من النقط والشكل، وذلك ليتحمَّل الرسم ما صح نقله، وثبتت
روايته عن رسول اللّه ع! ي!.
قال أبو عمرو الداني: " وإنما أخلى الصدر منهم - أي الأوائل من المسلمين-
المصاحف من ذلك - أي من النقط ومن الشكل - من حيث أرادوا والدلالة على بقاء
السعة في اللغات، والفُسحة في القراءات التي أذن اللّه تعالى لعباده في الأخذ بها
والقراءة بما شاءت منها، فكان الأمر على ذلك إلى أن حدث في الناس ما اوجب
نقطها وشكلها" المحكم في نقط المصاحف ص 3، وهذا الذي حدث في الناس
فأوجب نقط المصحف وشكله هو دخول الأعاجم من غير العرب في دين الِإسلام،
وقد تمَّ ذلك في أواخر القرن الأول وأوائل الثاني، على يد أبي الأسود الدؤلي
" 69 هـ"، ونصر بن عاصم الليثي " 89 هـ"، ويحيى بن يعمر - بفتح الميم-
العَدواني - بفتح العين - " 129 هـ".
ويقال: إنَّ عمل نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر كان بتوجيه وإشراف
الحجاج بن يوسف الثقفي، ويقال إنه امر بإعدام المصاحف الخالية من النقط
والشكل. فانظر فضل هذا الرجل الجبار على العربية وعلى قرَّاء القرآن.
ومع هذه الوثبة العظيمة في تاريخ القرآن الكريم، فقد بقي ناس من أهل العلم
586