كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
على رايهم في تجريد المصحف من النقط والشكل، منهم الحسن البصري، وابن
سيرين، وكان هؤلاء يتمسكون بما روي عن عبد الله بن مسعود: "جزدوا القرآن ولا
تخلطوه بشيء".
سادساَ: ونأتي إلى جوهر القضية، وهو ما يفال من ان خلو المصحف من
النقط والشكل كان هو السبب في اختلاف القراءات، لأن كل قارىء كان يقرأ رسم
الكلمة وفق ما يؤديه إليه اجتهاده أو سليقته اللغوية، وما يظهر له من معنى الاية.
دلائل لغوية:
والذين رذُوا هذا الراي دفعوه بأكثر من حجة ودليل، وسأكتفي هنا بدليلين،
ومن اراد الزيادة فعليه بما كتبه المشايخ: الزرقاني وشلبي والفاضي، في كتبهم التي
اشرت إليها:
الدليل الأول: أن اختلاف القزَاء إنما حدث في حياة الرسول ع! ير، فيما تلاه
عليهم وسمعوه منه مشافهة، ولم يأت هذا الخلاف نتيجة النظر في المصحف
المكتوب المقروء، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب مع هشام بن حكيم، الذي
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من المحدثين والمفسرين. وهذا هو نص الحديث
كما جاء في رواية البخاري "باب أنزل القرآن على سبعة أحرف. من كتاب فضائل
القرآن ":
"قال عمر بن الخطاب: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة
رسول الله غ! ي!، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها
رسول الله ع! ير، فكدت أساوره في الصلاة، فتصئرت حتى سفَم، فلببته بردائه فقلت:
من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرا؟ قال: أقرأنيها رسول اللّه ع! ؤ، فقلت:
كذبت، فإن رسول اللّه عفيد قد اقرأنيها على غير ما قرات، فانطلقت به أقوده إلى
رسول اللّه جم! ير فقلت: إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها،
فقال رسول الله لمجي!: أرسله. اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، ففال
587