كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)
وهذا أوان الفحص عن أمر الأستاذ حسين أحمد أمين، وما كتبه في حق شيخ
العربية محمود شاكر.
وبدءة ذي بدء، فإني اقول للأستاذ حسين: لقد بنيت مقالتك هذه على إثر مقابلة
مع الشيخ محمود لم تقع منك موقع الرضا، وكانت هذه المفابلة يوم 12 ديسمبر
1983 م، وإني لأعجب لك ومنك يا رجل: هذه خمسة عشر عاماً مُجَزَمة - بتشديد
الراء، أي تامة - منذ تلك الليلة التي أشعلتك ناراً، وأنت لا زلت طاوياً صدرك على
هذه الحَسِيكة، فأيُّ صبرٍ على الكريهة هذا؟ وأي حِمل ثقيل حملته وظللت تدور به
حالاً ومرتحلاً طوال هذه السنوات الطِّوال التي يمحو النّه فيها ما يشاء ويثبت.
ويحضرني ا لان شاهد من ا لشعر وصورة من التشبيه، ولكني أمسك عنهما؟ صوناً
لنفسي من الزلل، واستمساكاً بأصول أخلاقية ألزمت بها نفسي منذ أن عرفت طريقي
للكتابة وا لمذاكرة والمحاضرة. وأنا انشد لنفسي دا ئماً قول ابن فرج ا لجياني الأندلسي:
فملَّكْتُ النُّهى جَمَحَاتِ أمري لأجريَ في العفاف على طباعي
يقول: جعلت عفلي حاكماً على نفسي، كابحاً لجماح الهوى والخطأ، لكي
استمر على ما طُبعت عليه من العفة والشرف.
ثم إني علمت أنك كنت أعددت هذه المقالة في حينها، ودفعت بها إلى مجلة
الهلال، ولكن الأستاذ مصطفى نبيل رفض نشرها، مع أن مصطفى نبيل من رؤساء
التحرير الذين ينظرون إلى المكتوب لا إلى الكاتب، وهو أيضاً يفتج كل النوافذ، ولا
يتعصب لاتجاه لحساب اتجاه، فما اعرض عن مفالتك إلا لما وجد فيها من انحراف
وضلال، كما قالت العرب في كلامها الحكيم: " لو كان خيراً ما تركوه ". وكأني بك يا
أستاذ حسين تنشد مصطفى نبيل قول أبي الأسود الدؤلي يعاتب الحصين بن الحر
العنبري، وكان أبو ا لأسود قد ارسل له كتاباً يستجديه فأهمله، فقال أبو ا لأسود:
نظرْتَ إلى عُنوانه فنبَذْتَهُ كَنَبْذِكَ نَعْلاً أَخْلَقَتْ من نِعالكا
ا أخلقت: أي بليت وتقادم عليها عهدا.
613