كتاب مقالات العلامة الدكتور محمود محمد الطناحي (اسم الجزء: 2)

علي الجارم .. لغويّاَ نحويّا (1)
الشعر باب العربية، والشعراء الكبار هم اقدر الناس على معرفة أسرار العربية،
والوقوف على دقائقها، ثم الحرص عليها والذود عنها، وما كان ذلك إلا لأنهم قراوا
فأكثروا القراءة، وحفظوا فجوَّدوا الحفظ، ولن تجد شاعراً كبيراً إلا ووراءه رصيد
ضخم من القراءة المحيطة الجامعة للغة في مجالاتها المختلفة، ويظهر هذا الرصيد
فيما يسمّيه أهل زماننا " المعجم الشعري " للشاعر: حروفاً وأبنية وتراكيب ودلالة.
علي الجارم "رحمه الله " واحد من كبار الشعراء الحفظة العلماء الضابطين،
وكانت هذه سمة الجيل كله، شعراء وناثرين، مع تفاوت يسير بينهم، برزق الله
المقسم على خلقه. نعم كان هذا الجيل جيل الجد والتحصيل، جيل لم يرفع عينه عن
الفراءة، ولم يشغله عنها حديث وثرثرة عن التجربة والِإبداع والخلق والمعاناة، فإن
من الملاحظ الَان ان الأدباء والشعراء يتكلمون أكثر مما يقراون، ويستمعون أكثر مما
يتأملون، وقد قال ابن قيم الجوزية: "من لم تنفعه عينه لم تنفعه اذنه ".
وأنت إذا نظرت إلى ما كان بيد ذلك الجيل من الكتاب المطبوع، وجدته شيئاً
نزراً قليلاً، ولكن هذا النزر القليل صنع رجالاً، وشاد ثقافة. واليوم كثرت
المطبوعات، وقلت القراءة.
وداعية اخرى إلر، العجب: أن الكتاب المطبوع في ذلك الزمان لم يكن معتنى
__________
(1) مجلة "الهلال"، ما يو 9 9 9 1 م.
وهو آخر مقال كتبه الأستاذ الدكتور محمود الطناحي قبيل رحيله المفاجىء!
646

الصفحة 646